19 سبتمبر 2025

تسجيل

يمهل ولا يهمل

30 يناير 2011

عدة نتائج تتجلى واضحة لا ريب من الأحداث الجارية في بقاع كثيرة من عالمنا العربي والمتسارعة بصورة لا يكاد المرء يلاحقها، هي أن الظلم والطغيان والفساد مهما طال أمده فلا بد له من لحظة ويزول، وربما على أهون سبب.. والحقيقة اننى طيلة الأسبوع المنصرم اقرأ في تراثنا الاسلامى وأدبياته العميقة عن الظلم ومفهومه وخاصة ظلم الحاكم المؤتمن على رعيته وتخيله بل وتوهمه أن دولة ظلمه ستدوم إلى أبد الآبدين وان الكرسي الذي جلس عليه يوما هو حق أصيل له بل ولأولاده ولأحفاده من بعده في بلاد نظامها الاساسى هو نظام جمهوري قائم على تعددية شرعية أساسها الانتخاب الشرعي بين أكْفاء وليس احتكارا لسلطات مطلقة مدى الحياة.. والحقيقة أن رب العالمين هو العدل وانه حرم الظلم على نفسه فما بالنا بظلم العباد بعضهم لبعض، ففي حديث أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: بسم الله الرحمن الرحيم "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا" صدق الله العظيم. وسأحاول دون تعليق مني أن أورد اكبر قدر من السنة ومن القرآن الكريم اللذين تحدثا عن الظلم، لعل وعسى أن يفيق من لديه بصيرة وفهم قبل فوات الأوان، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وآخر عن مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". والعجيب أن بعضهم يظن انه في منأى عن العقاب، وان حرسه وقواته ستحميه من انتقام رب العالمين، اقرأ معي عزيزي القارئ هذه الآية بتمعن وتدبر: بسم الله الرحمن الرحيم: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)" (إبراهيم)، فالله سبحانه وتعالى يُعلن في كتابه العزيز ألاَّ يتصور الظالِمُ أن الله غافل عن هذا الظلم، فإذا كان الله يمد للظالم في الإمهال فهذا من الاستدراج، لا غفلة من الله العزيز جلَّ وعلا، وصدق الله العظيم.. والحديث الشريف يؤكد أيضا أن الله يمهل للظالم ولكن لا يفلته من عقابه فقد أخرج عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)" (هود). والشاعر العربي يقول: لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ تنـام عيناك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك وعين الله لم تنمِ. وهذا مصداقا للحديث الذي أخرجه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"، وكما يقول العلماء: دعوة المظلوم تُفتح لها أبواب السماء، ولا يقف لها شيء، فقد أخرج الترمذي وحسَّنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ". ولأن رب العالمين منتقم جبار فقد رأينا الظالم حين يأتيه العقاب الإلهي فيتحول إلى ذليل ضعيف، ربما لا يجد من يؤويه ويؤوي أهله بعد أن كانوا يتبخترون تيهاً في الدنيا وفخراً وخيلاءً ويظنون أنهم قد ملكوا الأرض وما عليها يقول الله عز وجل: "حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (45)" (الأعراف). وأخيرا وليس آخراً.. وحده العدل ولا شيء غيره هو طوق النجاة لكل من يبتلى بتحمل منصب، وكل منا يذكر الفاروق روح العدل عمر بن الخطاب الذي كان يقول: ويل لعمر يوم القيامة فلو عثرت دابة في الشام أو العراق لسئلت عنها يوم القيامة، لمَ لمْ أعبد لها الطريق؟. إن الحكم مسؤولية.. والولاية تحتاج إلى جهد لا يتحمله إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فحملوا أمانتهم لا يبغون سوى رضا الله، ولا شيء غيره، إنه نعم المولى ونعم النصير وسلامتكم. [email protected]