15 سبتمبر 2025
تسجيليجتاح العالم في الوقت الحاضر العديد من الحروب الناعمة التي تترك آثارا عميقة في حياة الناس المعيشية وتؤدي الى العديد من القلاقل والازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في الوقت الذي تقف العديد من البلدان عاجزة عن التأثير او حتى التعامل مع هذه الحروب المستجدة. وعلى الرغم ان هذه الحروب ليست جديدة تماما، الا انها اكتسبت بعدا وزخما جديدين منذ انتهاء الحرب الباردة، حيث تلاشت اوجه المنافسة المحتدمة بين المعسكرين التي امتدت طوال خمسة عقود متواصلة. وبعد حرب الغذاء التي برزت في عام 2008 وخفت حدتها في العامين الماضيين لتعاود البروز من جديد في بداية العام الجاري 2011 وتفاقم الصراع على مصادر المياه الذي يتوقع ان يزداد حدة مع انفصال جنوب السودان بسبب دخول بعض القوى الاقليمية والعالمية على خط الصراع في قضية المياه، كاحدى الاوراق الضاغطة لتحقيق مكاسب في جوانب اخرى من مجالات المنافسة المحتدمة بين مختلف القوى في العالم، جاءت حرب العملات لتشكل تحديدا كبيرا وخطيرا لكافة بلدان العالم، وبالاخص للبلدان العربية التي ترتبط عملاتها باحدى العملات الرئيسية في العالم، وبالاخص الدولار الامريكي المتهاوي. ويبدو ان حرب العملات التي يقصد بها بصورة موجزة استخدام سعر العملة للتأثير في جوانب اقتصادية مهمة، كاسعار السلع والتضخم والبطالة والتجارة الخارجية والنمو الاقتصادي بشكل عام، مما يمس بصورة مباشرة مستويات المعيشة في كافة بلدان العالم. وتتركز حرب العملات بين القوى الثلاث الرئيسية في العالم، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والصين، الا ان بقية البلدان تعتبر بصورة او باخرى طرفا في هذه الحرب، اما بسبب ارتباط عملاتها بعملة احدى هذه القوى او بسبب علاقاتها التجارية الوثيقة معها. وعلى الرغم من تأكيد قمة العشرين الاخيرة لسعيها لتجنب العالم حرب عملات، الا ان القوى الثلاث المشار اليها تدفع العالم نحوى الفوضى، فالولايات المتحدة تنوى وفق اعلان بنك الاحتياط الفيدرالي طبع 600 مليار دولار في النصف الاول من هذا العام 2011 دون تغطية ضمن ما يسمى بـ "التيسير الكمي" مما يعني المزيد من الانخفاض في قيمة العملة الامريكية، في الوقت الذي يصر فيه الاتحاد الاوروبي على ابقاء اسعار الفائدة عن مستوياتها المنخفضة وتتشدد الصين في ابقاء سعر عملتها منخفضا رغم الضغوط الامريكية المتزايدة. ونظرا لذلك ستشتد حرب العملات ضراوة في الفترة القادمة وستعمل القوى الرئيسية على الدفاع عن مصالحها بكافة لوسائل المتاحة، في الوقت الذي ستتكبد البلدان الاخرى خسائر جسيمة بسبب انخفاض قيمة بعض العملات العالمية، وبالاخص الدولار الامريكي، وكذلك بسبب المضاربات المتوقع حدوثها للاستفادة من التقلبات الحادة في اسعار هذه العملات. والحال، فان البلدان العربية سوف لن تكون في منأى من هذه التطورات في اسواق النقد الدولية والناجمة عن حرب العملات، مما يتطلب العمل على تقليص الخسائر المتوقعة، وذلك من خلال اتخاذ العديد من الاجراءات قصيرة وطويلة المدى، ففي المدى القصير لا بد من اعادة تقييم العلاقات والاتفاقيات التجارية وفقا للتوقعات الخاصة بسعر صرف العملات العالمية، على ان تسعى دول مجلس التعاون الخليجي للاسراع في توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع بلدان الاتحاد الاوروبي لالغاء الرسوم الجمركية، وبالتالي التخفيف من التضخم المستورد المتوقع ان يتزامن مع المزيد من الانخفاض في قيمة الدولار. اما على المدى البعيد، فان التنسيق النقدي بين دول مجلس التعاون وحل المعضلات العالقة بشأن العملة الموحدة وفك الارتباط بالدولار اصبح ضرورة موضوعية في ظل حرب العملات والتي تفرض قيودا كثيرة على حرية التحرك في الاسواق في ظل الافتقار للادوات المالية المحلية التي من خلالها يمكن التحكم في السياسة النقدية وتوجيهها بما يتلاءم والمتطلبات الاقتصادية المحلية. صحيح اننا اطلقنا عليها حروبا ناعمة، الا انه من الصحيح ايضا، هو ان الخسائر الناجمة عنها قد تفوق خسائر الحروب التقليدية، خصوصا ان ذلك سوف يشمل اسعار السلع والخدمات وقيمة التبادل التجاري وحجم الاحتياطيات المقومة بالعملات الاجنبية والاستثمارات المحلية والخارجية، مما سيجد له انعكاسات على مجمل الاوضاع الاقتصادية والنمو الاقتصادي على المديين القصير والبعيد ويستوجب اعادة النظر في التوجهات النقدية الحالية واعادة تقييمها لتتناسب ومرحلة حرب العملات.