14 سبتمبر 2025

تسجيل

أهم نقطة ضوء فى عتمة 2014

29 ديسمبر 2014

يوشك العام 2014 على الرحيل. لم يتبق له سوى الغد فقط. سيغادرنا بعد أن سكن فينا مدة 366 يوما. ظلت المعمورة خلالها في حالة حراك متراوح بين الإيجابية والسلبية. وتحققت تحولات نوعية على مدار ه. ولكنه كان زاخرا بالتطورات الموجعة للبشرية. وربما كان عالمنا العربي أكثرها تفاعلا مع هذه التطورات. فاشتدت فيه حالات التشظي والنزعات الطائفية والمذهبية. وشهدت بعض أوطانه – وما زالت- حروبا داخلية. تكاد تقضى على الأخضر واليابس. ومع ذلك فإن ثمة نقاط ضوء وفرت الذريعة للشعور بالأمل في الزمن الآتي وامتلاك القدرة على الخروج من شرنقة الوجع. وبالنسبة لي شخصيا كان الإعلان عن المصالحة المصرية القطرية قبل أيام من رحيل هذا العام. في مقدمة هذه النقاط التي أزاحت بعضا من العتمة التي سادت النظام الإقليمي العربي خلال الأعوام الأخيرة في أعقاب ثورات الربيع العربي التي سنحتفل في مطلع العام الجديد بمرور أربع سنوات عليها. لقد عشت في قطر ما يقرب من عشرين عاما إلا بضعة أشهر. تفاعلت مع بشرها وأحداثها وتطوراتها . خضت خلالها مع تجربة مهنية أعتبرها شديدة الإيجابية في مسيرتي المهنية. وبنيت شبكة من العلاقات الإنسانية والمهنية أيضا . أعتز بها أيما اعتزاز. على أساس من النزاهة والاحترام والتقدير وبعيدا عن أي أجندات أو معطيات ذات نفع شخصي. كما أن أفراد أسرتي يعتزون بهذه السنوات التي أمضوها بالدوحة. وعندما تعرضت العلاقات مع القاهرة بعد ثورة الثلاثين من يونيو لقدر من سوء الفهم والتأزم . أصابنا جميعا في البيت قدر من الألم خاصة مع الدور السلبي التي لعبته بعض المنابر الإعلامية لدى البلدين. على نحو أسهم في تأجيج المشاعر وتوسيع الهوة. ومع الإعلان عن المصالحة بعد اللقاءات التي جرت بين مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين تلبية لوساطة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز . وتجاوب كل من القيادتين المصرية والقطرية معها بأريحية وحميمية. واتكاء على أرضية صلبة من تاريخية العلاقات بين بلديهما وشعبيهما. والإدراك لطبيعة المهددات والمخاطر التي تحدق بالأمة والمنطقة. اجتاحنا الفرح العارم وسكنتنا البهجة العميقة.ومن الأهمية - حتى تتكرس المصالحة - بمكان ألا يسمح البلدان الشقيقان مرة أخرى بعودة الأسباب التي أدت إلى القطيعة واحتقان العلاقات الثنائية على نحو يعلي من سقف ما هو مشترك وهو أكثر بكثير مما يفرق ويعيد ترميم ما علاه الصدأ من جوانب التعاون والتي شهدت في السنوات الأخيرة نموا واضحا واتساعا أفقيا ورأسيا . والأهم من كل ذلك ألا يسمح للمنابر الإعلامية بتجاوز الحدود ومنظومة القيم الأخلاقية والمهنية وفق المحددات الوطنية والقومية التي تحكم مواقف الدولتين. ولست في موضع عرض رؤية تفصيلية في هذا المنحى. فهي - من خلال متابعتي للملف -تخضع للدراسة وثمة توافق على كل ما من شأنه أن يحقق أمن واستقرار ومصالح كل طرف اتساقا مع جوهر النظام الإقليمي العربي. والذي عبر عنه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في التصريحات التي أدلى بها قبل أيام . والتي أكد فيها أهمية المصالحة القطرية - المصرية، وتنقية الأجواء بين البلدين الشقيقين. ورأى أن هذه المصالحة تصب في صالح العمل العربي المشترك . والذي أنشئت لأجله الجامعة العربية وتشكل ميثاقها حيث تنص المادة الثانية من الميثاق على أن الجامعة تعمل من أجل تعزيز الروابط والصلات بين الدول العربية. وأحسب أن إنجاز المصالحة المصرية القطرية -أو وفق التعبير الرسمي المستخدم في البيانات الأخيرة التي صدرت من الدوحة والقاهرة فضلا عن الرياض توطيد العلاقات بين الجانبين - سيشكل رافعة قوية باتجاه إعادة صياغة محددات النظام الإقليمي العربي. بعد ما تعرض له خلال الأعوام الأخيرة من خلخلة في بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى العسكرية والأمنية. وثمة شواهد عدة في هذا الصدد. أهمها احتواء مظاهر الاحتقان في العلاقات الخليجية العراقية والتي يقوم حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بتصحيح مساراتها عبر سلسلة من الزيارات لعواصم مجلس التعاون الخليجي . بعد أن أفسدتها ممارسات سلفه نور المالكي. الذي كان يراهن على عاصمتين فقط. هما واشنطن وطهران. فانتهى حكمه بسقوط ما يقترب من ثلث مساحة العراقي في قبضة تنظيم داعش.والمؤكد أن الأزمات الإقليمية الملتهبة في كل من سوريا وليبيا واليمن ستشهد في ضوء هذا التطور الإيجابي. حراكا باتجاه التعامل معها بقدر من الجدية. على نحو يحافظ على مؤسسات الدولة الوطنية وشرعيتها. والتي كادت تتلاشى في ضوء ما تتعرض له هذه الأقطار العربية الثلاث من حروب وصراعات وانقسامات حادة. ووفق قراءاتي فإن ثمة ما يتم بلورته حاليا في صمت بين أكثر من عاصمة عربية. في مقدمتها القاهرة والدوحة والرياض لحسم الأمور سياسيا من خلال التحرك النشط لجمع الفرقاء المتناحرين في هذه الأقطار إلى مائدة حوار وطني شامل. بمنأى عن منهجية الإقصاء والتهميش لأي طرف. ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم لإنقاذ ما تبقى من هذه الأوطان. التي أهدرت إمكاناتها ومواردها البشرية والطبيعية في صراعات لا يمكن أن تحسم عبر الخيار العسكري والأمني. وهو ما يستوجب أن تدركه القوى والأطراف التي ما زالت تؤمن بهذا الخيار. لأنه لا يفضي إلا لمزيد القتل والجروح التي لا تلتئم بسهولة في وطننا العربي. ومن ثم يعقبها الرغبة في الثأر والانتقام.ولا يغيب عن ذلك ملف الوحدة الوطنية الفلسطينية. والذي يبدو لي أنه سيدخل منطقة الجدية في ضوء التطورات الأخيرة بين القاهرة والدوحة. وكلاهما لعب دورا إيجابيا في سبيل وضع لبناته الأساسية من خلال الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين طرفي المعادلة الفلسطينية الرئيسيين وهما حركة فتح وحركة حماس. وستنتهي حالة المراوغة التي كان يكابدها هذا الملف. الذي كان كلما يشهد تقدما سرعان ما يتعرض لانتكاسة. تعيد الأمور إلى المربع الأول. رغم كل النوايا الطيبة التي يعلن عنها قادة الحركتين.إن الأمل في القيادتين المصرية والقطرية كبير للغاية. لتوفير كل متطلبات نجاح ما تحقق من خطوات إيجابية على صعيد توطيد العلاقات بين البلدين الشقيقين . من خلال التحييد الكامل لبعض الأصوات التي أظهرت مناهضتها لهذه التطورات . لأنها أدركت خطرها على مصالحها التي تتحقق من خلافات الجانبين خاصة على الصعيد الإقليمي فهي – أي هذه الأصوات – تفتقر إلى الحس الوطني والقومي الذي يجعلها حريصة على التعاضد والتماسك بين مفردات النظام الإقليمي العربي. ويمكن الإشارة إلى أن المصالحة بين الدوحة والقاهرة . كانت واحدة من أهم أسباب انتصار خيار التماسك لمنظومة مجلس التعاون الخليجي والتي نجحت وساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وجهود العاهل السعودي الملك عبد الله. وتجاوب الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. في المحافظة عليه . ودفعه إلى المزيد من الخطوات الرامية إلى تعزيز النجاحات والتحولات المهمة. التي حققتها هذه المنظومة على مدى أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما. وفي تقديري إن مصر ليس من مصلحتها أن تقيم شراكة خليجية دون مجلس تعاون قوى ومتماسك وصلب بين وحداته الست . وفي الوقت ذاته لم يكن من مصلحة قطر أن تنأى عن الدولة العربية المحورية. وهو ما أكده البيان الذي أصدره الديوان الأميري عقب الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مساعد وزير الخارجية والمبعوث الخاص لسمو الشيخ تميم إلى القاهرة. ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برفقة رئيس الديوان الملكي السعودي خالد بن عبد العزيز بن عبدالمحسن التويجري. عندما شدد على وقوف قطر التام إلى جانب مصر، كما كانت دائماً إدراكا منها أن أمن مصر من أمن قطر، التي تربطها بها أعمق الأواصر وأمتن الروابط الأخوية، وأن قوة مصر قوة للعرب كافة كما أكد أن دولة قطر التي تحرص على دور قيادي لمصر في العالمين العربي والإسلامي، تؤكد حرصها أيضاً على علاقات وثيقة معها والعمل على تنميتها وتطويرها لما فيه خير البلدين وشعبيهما الشقيقين. وهو ما كان له مردود إيجابي على الصعيدين الرسمي والشعبي وأغلبية النخب والقوى السياسية. والتي عبرت في بيانات رسمية عن تأييدها للخطوات الإيجابية بين البلدين داعية إلى المزيد منها حتى يكتمل قوس البهجة وتعود أزمنة المودة بين القاهرة والدوحة.