18 سبتمبر 2025

تسجيل

الطلاق .. أبغض الحلال

29 نوفمبر 2017

يعد الطلاق من أكثر الظواهر انتشاراً في المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت معدلات الطلاق بنِسَب مخيفة ومقلقة.  وهذا الأمر جعل الكثيرين من العلماء وأهل العلم، وكذلك المثقفون والمفكرون ينتبهون للكلام في هذه الظاهرة، ويحذرون من خطر تكرار حالات الطلاق داخل البيوت والمجتمعات العربية، مما يهدد مستقبل الجيل القادم؛ نظراً لحالة التفكك الأسري التي يعيشها الأبناء بعد الطلاق. وقد رأيت الحاجة ماسَّةً للكلام في هذا الموضوع، وسوف أتناوله من عدة نواحٍ...  •أولاً: الناحية الشرعية: في البداية الزواج من أغلظ العقود والمواثيق في الإسلام بدليل قول الله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [سورة النساء: 21]. لذلك جعل الله التحرر من هذا العقد من أبغض الحلال عنده، كما جاء في الحديث: ((أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاقُ)). [رواه أبو داود عن ابن عمر]. وكذلك الطلاق حُكمُه يختلف باختلاف الحال، فتارة يكون واجباً وتارة يكون مباحاً وتارة يكون حراماً وقد جعل الإسلام حق الانفصال مكفولاً للطرفين، فالرجل يملك الطلاق، والمرأة تملك الخلع، ولكن مع الأسف الشديد أساء البعض استخدام هذه الصلاحيات التي لا تُستخدم إلا وقتَ الضرورة القصوى، فجعل بعض الرجال الطلاق سلاحاً يُلوِّح به في وجه المرأة كل صباح ومساء، وكأنه أداة تأديب وإذلال، وربما كان من غير تقصير من الزوجة، وكذلك جعلت بعض النساء قانون الخلع ورقةَ ضغطٍ على الزوج في سبيل إنهاء رباط الزواج... وهكذا هو تعامل بعض الناس - للأسف الشديد- مع الدين وأحكامه، وكأنه مطية لأهوائه الشخصية!! •ثانياً: الطلاق من الناحية الاجتماعية  لا شك أن قضية الطلاق من القضايا الأكثر تعقيداً في مجتمعنا المعاصر، وقد أدى التزايد الملحوظ فيها إلى توجه الباحثين لدراسة هذه الظاهرة المرعبة، حيث تسجل بعض الدول العربية المراكز الأولى عالميًّا في نِسَب الطلاق حسب الإحصائيات، بنسبة تصل إلى ٤٩ بالمائة وبعض الدول ٤٠ بالمائة، ودول أخرى ٣٠ بالمائة وكل هذه النسب المرتفعة في البلدان العربية وهي نسب مخيفة وغريبة على المجتمع المسلم والبيئة العربية. • ثالثًا: الطلاق من الناحية النفسية  في الحقيقة، فإن الآثار النفسية المترتبة على الانفصال بين الزوجين وتصدُّع الكيان الأسري كثيرة جدًّا نختصرها في إحساس كلا الزوجين بعدم الاستقرار في حياته وغياب الجو الأسري. وكذلك تؤثر في الأبناء بدرجة أكبر لأنهم هم الضحية فتؤثر عليهم في مستواهم العلمي في المدرسة، وتؤثر عليهم من نواح أخرى نفسية تؤدي إلى الانطواء والانحراف أحياناً  للأسف الشديد.  •رابعًا: أسباب تزايد نسب الطلاق في مجتمعاتنا:  الأسباب التي أدت إلى هذه النسب الكبيرة في حالات الطلاق متعددة، أبرزها قلة الوعي الديني لدى الزوجين، ربما لصغر السن، أو النشأة الخاطئة التي لم ينشأ فيها طرفا الزواج على احترام حقوق وواجبات الطرف الآخر. والأوضاع الاقتصادية أحيانا تكون سببًا في الانفصال. وكذلك نجد للتكنولوجيا الجديدة والانتشار الواسع للإنترنت والمواقع الإباحية، وبعض مواقع التواصل الاجتماعي النصيب الأكبر من هذه الأسباب مما أفسد البيوت وجلب الخراب والدمار على كثير من بيوت المسلمين في هذا الزمان. نسأل الله أن يحفظ بيوتنا وبيوتكم جميعاً. •خامساً: بعض الحلول لهذه المشكلة:  نجد دائماً في مقدمة حلِّ أي مشكلة من مشاكل حياتنا أولاً اللجوء إلى الله، والالتزام بتشريعاته الحكيمة في كل أمور حياتنا، ووالله إذا التزمنا هذا الدين العظيم سيُصلِح الله لنا كل جوانب حياتنا.  - يجب على الأسرة تقديم الوعي الكافي للأبناء عن الحياة الزوجية قبل الإقبال عليها. - وكذلك اختيار السن المناسبة للزواج ومدى انسجام الطرفين مع بعضهما البعض. - تكثيف الدورات التأهيلية للمقبلين على الزواج. -لا بد أن يتمسك كلا الزوجَيْن بحقوق وواجبات الطرف الآخر. -وأن يتمسك بهذا الرباط القوي ولا يسمح للعواصف أو المشاكل أن تهدم هذا الكيان المتكامل.  - ومن أهم الحلول أن يقدم كلا الطرفين من الزوجين بعض التنازلات لأجل سعادة حياتهم واستمرارها للحفاظ على الأسرة وتماسكها وسعادة أبنائهم وتوازن علاقتهم مع الآخرين فى محيط العائلة والأصدقاء والجيران وعدم وضعهم تحت ضغط المشاكل الأسرية التى تهدد نواة المجتمع ألا وهي الأسرة  التى متى صلحت وتماسكت انعكس ذلك بلا شك على الأسرة الكبيرة وهى المجتمع.  - وكذلك التضحيات التى يقدمها طرفا الزواج هى من أرقى حالات الحب والعواطف الصادقة، فالتضحية من أجل زوجتك أو تضحيتها من أجلك ليست عيباً بل بالعكس إنما هي دلالة على النضج وتحمل المسؤولية والتمسك بالطرف الآخر والحفاظ على تماسك الأسرة وبنيانها من الانهيار وضياع الأبناء فى وسط الخلافات والمشكلات.  •دعاء: نسأل الله أن يحرس بيوتنا وديارنا من كل ما يُكدِّر حياتنا، ويُعكِّر صفوها، وأن يرزقنا وإياكم السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة... اللهم آمين.