12 سبتمبر 2025

تسجيل

التعصب هو الذي يقود للتطرف !

29 نوفمبر 2015

لاشك أن التعصب بدأ يتسرب إلى كيان الأمة في السنوات القليلة الماضية، ويكاد أن يشتت وحدتها وترابطها وتماسكها، نزوعا إلى الحروب والمشكلات الطائفية الضيقة، بسبب الاختلافات المتباينة، والتي هي من القضايا الطبيعية التي تختلف الأمم والكيانات، باعتبارها من السنن الكونية، التي جعلت الناس تختلف في أفكارها ومشاربها، وفي اتجاهاتها في الأمور الحياتية والدينية، والتي تعتبر من الفروع والجزئيات، وليس من القطعيات التي تجمع المسلمين في هذا الدين القويم، مع أن المذاهب مدارس فقهية واجتهادات لعلماء، قد تصيب وقد تخطئ في هذا الاجتهاد، وليس دينا منزليا، نتعصب ونتصارع ونتقاتل لمجرد الاختلاف في الفرعيات التي جعلها الله في هذا الدين سعة ورحمة للأمة وليس العكس، والأخطر أن هذا النهج الأمة، من أسبابه التعصب والتطرف الفكر ومصادرة الحق لنفسه، وغيره على ظلال، وربما يتم تكفيره وخروجه من الملة! وهو الذي يسبق الصراعات والحروب، التي تعيشها الأمة حاليا. ويقدم ابن منظور تعريفاً وهو "أن التعصب هو أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين". وهذا ما تعانيه الأمة الآن، بعد الأزمات الراهنة، والتخندق في الأفكار الضيقة، والإشكالية في هذا الأمر القفز من الخلافات السياسية إلى الخلافات المذهبية، مع الخلاقات في المدارس الفقهية، كما أشرنا آنفا خلافات طبيعية، تمثل الاجتهادات الفكرية للعلماء في تفسيراتهم للقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والغريب أن التعصب ازداد كثيرا في العقود الأخيرة، ربما بسبب التوترات السياسية، وبعض المؤسسات في بعض الدول الإسلامية تشجع مثل هذه القضايا، وهو سبب من أسباب التعصب لمدرسة فقهية، وهذا زاد من التوتر والخلاف من الجانب الآخر وحصل اقتتال وصراعات في بعض الدول العربية، لذلك لابد للأمة من المراجعة العقلانية إن أرادت أن تكون أمة كما عنها القرآن الكريم(خير أمة أخرجت للناس)، هذه الخلافات والصراعات، وهي نتيجة من نتائج التعصب كما أعتقد، كما أن الاستبداد والإقصاء أسهم في هذا التطرف والتكفير والغلو، ولابد من النظرة الإيجابية لمحاربة التعصب والتطرف معا، إذا ما أردنا أن نبعد مجتمعاتنا عن هذا الوباء الكبير الذي يهدد كيان الأمة واستقرارها ووحدتها وكياناتها المستقرة. والإشكالية في بروز التعصب في بعض المجتمعات الإسلامية في عصرنا الراهن، وتؤرق مجتمعاتنا، ـ كما يرى الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ـ إن الخلافات الجزئية في أمور الدين " واقع لابد منه، وتجاوزها لما هو أهم منها واقع لا بد منه كذلك! ولم أر ناساً حبستهم الجزئيات وغلبتهم على رشدهم مثل صرعى التعصب المذهبي عندنا، وأظن السبب في ذلك أسلوب تعليم العوام. إن المدرس يقول في ثقة: حكم الله كذا في هذه القضية، رأي الدين كذا في ذلك الموضوع.. فيظن المستمع أنّ ما سمع هو حكم الله ورسوله. وما ينبغي أن يذكر بهذا الجزم إلا ما قطع، أما الاجتهادات المذهبية فينبغي أن يقول المفتي أرى كذا أو الحكم عندنا كذا أو صح الدليل لدينا بكذا، ويترك مجالاً للرأي الآخر فلا يحرمه من الانتماء إلى الإسلام". حتى أن الذين يعتقدون أن الاختلافات المذهبية حول بعض القضايا الفرعية أو غيرها المتعلقة بالنص القرآني وتفسيره، فإن الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله ـ كما يورده علي أومليل ـ يرى أن "اختلاف الناس حول النص القرآني لا يعني بالضرورة أن الاختلاف كامن في النص نفسه. لو التزم القوم على الأقل، بهذا التمييز لأقرّوا بأن الاختلاف بينهم طبيعي ولاعتبر كل طرف أن اختلاف خصمه إنما هو اختلاف معه هو وليس خلافاً مع النص". فالاختلاف من هذا المنطلق حالة طبيعية لاختلاف الأفهام والعقليات لمشروعية الاجتهاد، ومن هنا نرى ضرورة التركيز على مسألة التعصب الأعمى لقضايا فرعية اجتهادية، لأنها تخلق التوتر، وتقود للغلو والتطرف والتكفير، وأمتنا بحاجة ملحة إلى رؤية جديدة من خلال النخب الفكرية الدينية والسياسية والفكرية، وواجب العلماء والمفكرين والتربويين أن يسهموا في خلق الوعي والفكر لدى الأجيال من مخاطر التعصب والتطرف والغلو،