19 سبتمبر 2025
تسجيليوم 24 نوفمبر مرت مائة يوم على عملية فض اعتصامي رابعة والنهضة والتي تم توصيفها على أنها تمثل أكبر جريمة قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث، كما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية، حيث راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، فضلا عن آلاف المعتقلين. في ذلك اليوم الذي صادف الأربعاء 14 أغسطس، لم يكن استخدام الذخيرة الحية هي الطريقة الوحيدة التي لجأت إليها قوات الجيش والشرطة من أجل قتل المعتصمين السلميين الذين مكثوا أكثر من 47 يوما في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، لإعلان رفضهم للانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس مدني تأتي به الإرادة الشعبية المصرية.. حيث كانت هناك وسائل أخرى لإزهاق الأرواح مثل الحرق.. حينما شهدت مصر لأول مرة في تاريخها جريمة حرق مواطنين أحياء بشكل جماعي، وحتى الأموات الذين قتلوا بالرصاص لم يسلموا من هذه الجريمة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى مطاردة الأهالي لمنعهم من أخذ جثث أبنائهم وأقاربهم تمهيدا لمواراتها الثرى، وحتى الذين سمحت لهم بالحصول على جثث ذويهم طلبت منهم أن يوقعوا على وثيقة تفيد بانتحار الشهيد، وإلا فإنهم لن يستطيعوا الحصول على جثته. ورغم حالة الذهول التي انتابت من تبقى له عقل من أهل مصر جراء ما رأوه في هذا اليوم، إلا أنهم خرجوا للتعبير عن غضبهم فقابلتهم قوات الجيش والشرطة بإطلاق النار مستخدمة الطائرات والدبابات في مشهد لا يخلو من الدلالة بأن ما يحدث في شوارع مصر هو حرب حقيقية بين مواطنين مصريين وقوات احتلال غزت البلاد بحجة حماية الوطن فإذا بها تدمر هذا الوطن وتحرق أبناءه أحياء. ولم يمر يومان آخران حتى ارتكبت تلك القوات جريمة جديدة في حق مواطنين قامت باعتقالهم ثم قتلهم بدم بارد في سيارة الترحيلات من خلال خنقهم بالغازات المسيلة للدموع والغازات الحارقة، وكأنهم أعداء هذا الوطن وليسوا أبناءه.. ولو كانوا أعداءه ما فعلوا بهم ذلك. ثم توالت المجازر التي ترتكبها تلك القوات يوما بعد يوم حتى لم نعد قادرين على سردها جميعا، وكل ذلك من أجل السلطة ومنافعها لهؤلاء الذين حكموا مصر طوال أكثر من ستين سنة أذاقوا خلالها الشعب كل صنوف القهر والذل والاستعباد، وحولوا الوطن إلى سجن كبير في الداخل وإلى قزم صغير وتابع ذليل للخارج. وحينما هب الشعب ضدهم في ثورة يناير، إذا بهم يحيكون المؤامرات من أجل استعادة السلطة التي استردها الشعب منهم، كي تعود لهم منافعهم مرة أخرى ويعودوا أصحاب السيادة الذين لا يخضعون لقانون ولا يُسألون.. من أين لك هذا؟ وحينما عادت لهم السلطة بعد الانقلاب على الشرعية، إذا بهم يرتكبون كل أنواع الجرائم لإسكات صوت الشعب ومنعه من محاولة استعادة حريته مرة أخرى. ونسوا أن هذا الشعب الذي ذاق طعم الحرية لن يتراجع عن استعادتها مرة أخرى مهما كلفه ذلك من تضحيات. لقد كانت محرقة رابعة يوما فاصلا في تاريخ مصر الحديث، حيث أصبح هناك وعي جمعي جديد لدى غالبية الشعب يؤكد أن بناء الدولة المصرية الجديدة يتطلب نسف كل المؤسسات بلا استثناء وإعادة بناءها من جديد، وذلك لأن النظام الانقلابي الذي نشأ على يد ضباط الجيش في عام 1952 دمر الدولة بكل مؤسساتها وحولها إلى هياكل وأبنية لا قيمة لها ولا دور.