20 أكتوبر 2025

تسجيل

لماذا احتمال تحويل ملف خاشقجي إلى محكمة الجنايات وارد ؟

29 أكتوبر 2018

يتفق أغلب أساتذة القانون الدولي منذ الأيام الأولى من زلزال اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي على مبدأ معروف، وهو أن هذا الملف كما قال الناطق باسم الحكومة الألمانية يوم الخميس الماضي هو ملف قضية غير مسبوقة بالمرة في التاريخ الحديث، والأسباب واضحة لا لبس فيها وهي أن مواطنا مدنيا ينتمي الى جنسية سعودية دخل الى مقر قنصلية بلاده، يرفرف عليها علم الدولة تقع في بلاد أجنبية لديها علاقات دبلوماسية عادية مع دولته الأم من أجل اجراء معاملة يومية عادية مثل سائر المواطنين المقيمين خارج بلدانهم ثم ثبت باعتراف سلطات البلاد صاحبة القنصلية بأن ذلك المواطن تم قتله داخل القنصلية ! ولا يهم خبراء القانون الجنائي الدولي تلك التخريحات المتعاقبة بصفة يومية لجريمة القتل والتي تؤكد لهم بأن السلطات السعودية تتعثر وتتلعثم في كل بيان يصدر عنها حسب التسريبات، إلا أن القانون الدولي لا يهتم بتفاصيل تلك البيانات بقدر ما يركز اهتمامه حسب بنود ميثاق محكمة الجنايات الدولية بلاهاي على نتائج البحوث الجنائية التي تجريها السلطات القضائية للدولة التي وقعت فيها الجريمة أي تركيا والدولة التي تنتمي اليها القنصلية أي المملكة السعودية ثم تتولى النيابة العامة لمحكمة لاهاي القيام ببحوثها الخاصة بها حسب ميثاقها والتي تعتمد طبعا على كل عناصر الادانة (أو التبرئة) التي تستنتجها المحكمة وعلى ضوئها تنتصب هيئتها لتنظر في عريضة الدعوى المقدمة لها من النائب العام للمحكمة الدولية وتقوم بجلب المتهمين أينما كانوا، وأيا كانت مستويات مشاركتهم في الجريمة أي مثلما قال الرئيس التركي من أسفل السلم الى أعلاه، حيث التزمت الدول الموقعة على ميثاق انشاء المحكمة يوم 19 يوليو 1998 بروما (بما فيها السعودية وتركيا) وتعهدت بتسليم من لديها من المتهمين الى المحكمة لتقع مواجهتهم بالتهم المنسوبة اليهم وسماع أقوالهم وأقوال لسان دفاعهم ثم اصدار حكمها في القضية. وحين نقول اليوم بعد ثلاثة أسابيع ان احتمال تولي محكمة لاهاي النظر في هذه القضية حتى بعد أمد قد يطول أو يقصر فلأن كل عناصر الملف ترجح التدويل وأهمها أن الجريمة ارتكبت في مقر تحميه الحصانة الدبلوماسية لاتفاقية فيانا لعام 1961 في مخالفة خطيرة لمبدأ الحصانة وأهمها أيضا أن الأبحاث الأولية السعودية لم تكشف عن أسماء وهويات الموقوفين لديها وهو الكشف الاستعجالي والسريع المطالبة به تلك السلطات القضائية من أجل مساعدة الجانب القضائي التركي على مواصلة البحث ثم ان سر مكان الجثة لم يعرف بعد، لأن التحريات المتعلقة بجثة الضحية تتوقف على وجودها وهو ما يعتبر في القانون الجنائي العادي والقانون الجنائي الدولي تعطيلا مضللا للقضاء أي اخفاء حقائق لا مناص من كشفها ! ومعلوم أن اتجاه دول الاتحاد الأوروبي يميل الى تدويل القضية ضمانا لسلامة التحقيق وابعاد الملف عن كل التجاذبات السياسية والتزامات العلاقات الخارجية بين الدول المعنية التي يمكن أن تحيد بالملف عن مجراه النزيه والموضوعي والمتجرد. وهنا فالقراءة في بعض بنود محكمة لاهاي تنير لنا هذه الخيارات الممكنة. جاء في ميثاق انشاء المحكمة ما يلي:" تختص المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة الأفراد المتهمين بـجرائم الابادة الجماعية، وتعني حسب تعريف ميثاق روما، القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض اهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية اهلاكا كليا أو جزئيا والجرائم ضد الانسانية، وهي أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، اذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والابادة والاغتصاب والابعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق وجرائم الحرب تعني كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي ويمكن للمحكمة أن تنظر في قضايا أشخاص متهمين بارتكاب هذه الجرائم مباشرة، أو آخرين لديهم مسؤولية غير مباشرة فيها، كالمسؤولية عن الاعداد أو التخطيط، أو مسؤولية التغطية عنها، أو مسؤولية التشجيع عليها. والمحكمة –التي يقع مقرها بمدينة لاهاي بهولندا، لكنها يمكن أن تعقد جلساتها في أي مكان آخر- هي محكمة مكملة للقضاء الوطني للدول الأعضاء فيها، وتمثل الملجأ الأخير عندما تكون هذه المحاكم غير قادرة على التحقيق مع المتهمين بالجرائم المذكورة، أو لا تريد ذلك. يمكن للدول المصادقة على المحكمة أو مجلس الأمن الدولي أن تحيل على المدعي العام قضايا تتعلق بالجرائم التي تختص المحكمة بالنظر فيها، كما يمكن له أن يبادر بفتح تحقيق في أي قضية يرى أنها تستحق ذلك. " انتهى عرض مهام المحكمة وتخصصاتها. وهنا نذكر بما ورد في الميثاق من امكانية مبادرة نائبها العام بفتح تحقيق في أي قضية يرى أنها تستحق ذلك ثم الاقرار بأن المحكمة هي الملجأ الأخير عندما تكون المحاكم العادية غير قادرة على التحقيق مع المتهمين وهذا احتمال وارد اذا ما اقتصرت بحوث القضية على القضاء السعودي وحده. نسجل أن الرئيس التركي طالب بوضوح أن يتولى قضاء تركيا البحث والحكم لأن الجريمة ارتكبت على أرض تركية أما القضاء السعودي فهو يعتقد أنه المؤهل لهذا العمل دون سواه لأن المطلوببن ينتمون الى جنسية سعودية! ولهذه الأسباب لم يغفل ميثاق محكمة لاهاي عن هذه الاختلافات التي يمكن أن تتطور الى خلافات وهنا احتمال ضياع حق الضحية جمال خاشقجي وارد وكذلك افلات الجناة من العقاب العادل. [email protected]