14 سبتمبر 2025
تسجيلاستحق الفيلم الفرنسي "لقاء مع أرض مسلوبة" والذي استخدم عنواناً آخر في الترويج له وهو "لقاء مع أرض مفقودة" الجائزة الذهبية في مهرجان الجزيرة العاشر للأفلام التسجيلية عن جدارة، وأحسنت لجنة التحكيم باختيار هذا الفيلم المميز فنيا وتقنيا وموضوعا، مما يعكس الأداء المميز لهذا المهرجان الكبير. استمتعت بمشاهدة هذا الفيلم للمخرجة ماري لويز غرغور على مدى ساعة كاملة، والتي برعت فيه بالانتقال من الماضي إلى الحاضر والعودة إلى الماضي ثانية لتحكي جانبا من النكبة الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني من دياره على يد العصابات الصهيونية المسلحة وبتواطؤ "بريطاني – فرنسي"، وحكت الرواية الفلسطينية في مدينة يافا الفلسطينية من خلال عين ثالثة تتمثل بشهود عيان فرنسيين ممن عاشوا في تلك الحقبة ولازالوا على قيد الحياة، ممن كانوا يعيشون في يافا وفلسطين، وكيف تم سلب أرض فلسطين في رابعة النهار وبدعم من القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية، وكيف تم التآمر على الشعب الفلسطيني الذي كان يخوض حربا أكبر بكثير من قدراته، فهو كان يواجه "حربا عالمية وحده" دون دعم من أحد. جمالية فيلم "لقاء في أرض مسلوبة" أنه يروي في الحاضر ما جرى في الماضي، لكنه ماض لا يزال مستمرا حتى الآن، فالشهود أحياء والضحايا أحياء والمجرمون لا يزالون على قيد الحياة، والمأساة مستمرة ومتواصلة بل تتفاقم يوما بعد يوم، فقد كان المتحدثون العواجيز، وخاصة سيدتين فرنسيتين طاعنتين في السن، ترويان ما جرى بتأثر بالغ وكيف تم تهجير السكان وهدم القرى وتغيير أسماء الشوارع، وكيف تغيرت الوجوه في يافا، واختفت الوجوه العربية وظهرت مكانها وجوه لا علاقة بالمكان من رومانيا وبلغاريا وغيرها من بلدان وسط أوروبا .. اختفت الشوارع العربية وظهرت الكتابات والأسماء العبرية، وكأن الزمن يخلع جلده ويلبس جلدا آخر في فلسطين، وبكل بساطة ظهر اسم "إسرائيل" وغاب اسم فلسطين نهائيا وكأنه لم يكن موجودا يوما، واستولى الغزاة من المهاجرين اليهود المستعمرين على البيوت الفلسطينية بكل ما فيها، واختفى الفلسطينيون في البحر وراء الأفق وهم هائمون على وجوهم بحثا عن مكان. ما من شك في أن هذا الفيلم الرائع يعطي شهادة حية مهمة للنكبة الفلسطينية ومأساة شعب أريد له أن يختفي وأرض أريد لها أن تغير لون ترابها الحنطي إلى الأشقر والأزرق، وأن تقطع لسانها العربي وتبدله بلسان عبري أعجمي غريب. لم نكن لنسمع باسم هذا الفيلم لولا مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلة ، وهو المهرجان الذي حفر اسمه علامة بارزة في عالم الأفلام التسجيلية العربية والعالمية، وأصبح وجهة لكل العاملين في هذا الحقل المهم، الذي يشكل آراء البشر ويؤثر في قراراتهم ونظرتهم وأحكامهم، وجعل من الدوحة عاصمة مهمة لصناع الأفلام التسجيلة، ويكفي أن أشير إلى أن عدد الأفلام التي تقدمت للمسابقة زادت عن الألف من أكثر من 61 دولة في العالم، تم اختيار 161 فيلما منها للدخول في المسابقة، فاز منها 24 فيلما من كل أصقاع الأرض بجوائزه. لم يكن هذا ليحدث لولا الفريق الرائع الذي يعمل في هذا المهرجان وعلى رأسه بالطبع قائدهم المايسترو الكبير عباس أرناؤوط، الذي أثبت أنه ربان بارع تمكن خلال عقد من الزمان أن يحول المهرجان والدوحة إلى واحدة من أهم المحطات السينمائية للأفلام في العالم.