17 سبتمبر 2025

تسجيل

التحالف الأمريكي الإيراني في اليمن

29 أكتوبر 2014

سيطر مسلحون حوثيون على منطقة مهمة وسط محافظة البيضاء بعد أن انسحب رجال القبائل يدعمهم ما يسمى بتنظيم (أنصار الشريعة) جراء القصف الجوي المكثف من طائرات "الدرونز" الأمريكية يسندها الطيران الحربي اليمني في عملية عسكرية مشتركة تعد الأولى من نوعها على صعيد التنسيق الأمريكي المكشوف مع "أنصار الله" الذين يرفعون شعار "الموت لأمريكا"، بينما تمهد لهم واشنطن الطريق لبسط نفوذهم في المناطق السنية، وهذه من المفارقات الكبيرة التي جعلت الشارع اليمني ينظر بكثير من التهكم والسخرية إلى شعارات الحوثيين أو كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم مسميات تمنحهم القداسة والقبول ومنها أيضا أتباع "المسيرة القرآنية" فلم تقتل شعاراتهم العدائية وزغة أمريكية أو إسرائيلية، بل إن الموت أصبح بفضل "مسيرتهم المخلصة"! طاعونا يزهق أرواح اليمنيين الأبرياء، أطفالا ونساء من الجو والبر. كثير من الأمور السياسوية كانت تنطلي على الإنسان اليمني والعربي البسيط، ثقافة ووعيا سياسيا، بما يدور حوله من أحداث ومؤامرات لكن إقلاع الطائرات العسكرية الأمريكية هذه المرة من قاعدة في المحيط الهندي لتقدم المدد للحوثيين ومشاركة الطيران الحربي اليمني بأمر من الرئيس عبد ربه منصور هادي كشف المستور للجميع، وأكد حقائق كان ينظر إليها على أنها تخرصات محللين أو معلومات غير مؤكدة، إذا لم يعد هناك من شك بوجود تحالف أمريكي إيراني في اليمن يهدف إلى تحقيق هدف كل طرف، بالنسبة للأمريكيين فإن هدفهم المعلن هو ضرب تنظيم القاعدة وحماية خطوط الملاحة الدولية باعتبار موقع اليمن الإستراتيجي. أما هدف إيران فهو بسط نفوذها في خاصرة أكبر دولة خليجية سنية المذهب، لكن الطرفين المتحالفين يسعيان لتحقيق أهدافهما بقليل من الجهد والمال عبر أطراف أخرى، بعضها ينفذ والبعض الآخر يدفع الأموال، فقد مارست الدبلوماسية الأمريكية ضغوطاً كبيرة في مجلس الأمن لتمنع صدور قرار يحدد أسماء معرقلي التسوية السياسية السلمية في اليمن، وعندما سيطر الحوثيون على عاصمة البلاد وأغلب محافظاتها وبعثروا الجيش وقوى الأمن ونهبوا العتاد العسكري بمساعدة من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وحزبه المتهالك ودعم خليجي سني سمح لمجلس الأمن أن يكشف للعالم أسماء المعرقلين الخمسة ولكن بعد انهيار الدولة وصعوبة تحقيق أي تسوية سياسية على ما كان يعرف بالجمهورية اليمنية، سواء عبر بنود المبادرة الخليجية المقبورة أو حتى وفق اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقعته القوى السياسية تحت حد سيف الحوثي في يوم سقوط صنعاء. الإيرانيون يكسبون كل يوم، سواء في المفاوضات على الملف النووي أو في النفوذ الجيوإستراتيجي في المنطقة العربية، حيث أصبحت رابع عاصمة عربية تحت نفوذهم، فقد نجحوا في تحويل أهل السنة إلى أهداف إرهابية على اعتبار أن مذهبهم يدعو إلى اجتثاث الآخر المختلف، نجحوا أيضا في تكوين تحالف دولي كبير ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا دون أن يكونوا طرفا فيه، ربما لكي لا يستعدوا كل أهل السنة وفي المقابل حولوا الأنظار من نظام الأسد الذي أجرم في حق شعبه إلى ضرورة التخلص من الحالة الداعشية وهنا تورطت في المؤامرة أكبر الدول السنية كعادتها في دعم ضرب داعش وحواضنه الشعبية ولم ينس الغرب أن يشيد بالسعودية ويبين مميزات مشاركتها في هذه الحرب، بأنها تمثل قبلة روحية لكل المسلمين وتزخر بثروات مادية هائلة تمكنها من تقديم دعم مالي على المدى الطويل يحقق النصر على الإرهاب، كما أن مراكز تدريب المتطوعين لحرب الدواعش على أرضها سيكون أكثر جدوى باعتبار القرب والعتاد العسكري السعودي المتطور. الإعلام الإيراني يقول الآن إن الحوثيين يخوضون حربا نيابة عن المجتمع الدولي ضد دواعش اليمن وأن الحوثيين أصبحوا بما يملكونه من قوة وسيطرة على الأرض الضامن الوحيد لكبح جماح تنظيم القاعدة في بلاد العرب، لكن يبدو أن التحالف الأمريكي الإيراني في اليمن على وجه الخصوص وفر حاضنة شعبية لتنظيم القاعدة بعد أن كان معزولا، شعبيا وسياسيا، خاصة أن الكثير من ثوار ١١ فبراير ٢٠١١ كانوا يرون في القاعدة تهديدا للدولة المدنية التي حلم بها كل اليمنيين، أما اليوم فربما تحفز الكثير من الشباب المعارض لسياسات حزب التجمع اليمني للإصلاح السلمية، ليشكلوا مددا كبيرا لتنظيم أنصار الشريعة، وهي التسمية الجديدة لتنظيم القاعدة في اليمن، وهنا تفشل من جديد السياسة الأمريكية في حربها على القاعدة في اليمن وبدل أن كان الخطر محدودا في بعض المناطق الجنوبية تمددت القاعدة في عدد من المحافظات، منها إب والبيضاء، مسنودة بدعم شعبي من رجال القبائل الذين يرون في الحوثيين مذهبا اثنى عشريا غريبا عما ألفوه أثناء قرون التعايش السلمي بين المذهبين الشافعي والزيدي.. إذا نحن هنا بصدد تشكل نسخة جديدة من الصراع على غرار الحرب المذهبية في العراق وسوريا. التحالف الأمريكي الإيراني ليس وليد اللحظة، فعلى مدى أكثر من ربع قرن لعبت أمريكا دورا كبيرا في نجاح ثورة الخميني، وما كان أحد يتخيل نجاح الثورة بمنأى عن دعم واشنطن التي قلبت ظهر المجن لحليفها السابق الشاه محمد رضا بهلوي، ورغم الشعارات الجوفاء "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل"، إلا أن فضيحة "إيران غيت" كشفت ورقة التوت عن سوءة النظام الإيراني الجديد، وبعد ذلك ازداد حجم التعاون بإسقاط نظام طالبان وصدام حسين وسيطرة الشيعة على كل مفاصل الدولة العراقية وغض الولايات المتحدة الطرف عن انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الأقليات المضطهدة، كما أن النظام السوري الحليف الإستراتيجي لإيران ظل يقتل شعبه ولم تحرك واشنطن ساكنا سوى إدانات لا تهش ذبابا. سلوك الأمريكيين ينطلق من مصالحهم الإستراتيجية ومصالح إسرائيل ولذلك فهم يضحون حتى بمصالح أقرب حلفائهم كما فعلت الآن مع السعودية، إذ تركتها تواجه قدر تمدد الشيعة في كل حدودها ولم يجد الإعلام السعودي من يلوم سوى شن هجوم على الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بأنه خدعهم وأخلَّ بوعوده لهم، بل وأصبح حليفا لإيران إلى جانب الحوثي، مما يجعل اليوم عين الإيرانيين على برج الساعة بألوانه الخضراء والذهبية الزاهية الذي تتوجه إليه كل لحظة كاميرات الحرم المكي.