10 سبتمبر 2025
تسجيلإن الفنون بجميع أشكالها، تُعتبر من مظاهر الحضارة لوقتٍ عاشه الإنسان، وإنتاجا لا يمكن إغفاله، هي ميراث، وكما يقول توفيق الحكيم: "ما من شيء أقوى من الميراث، إذا كان للخلود يد، فإن الميراث يده التي ينقل بها الكائنات، من زمان إلى زمان". ولعل سؤالاً مازال يؤرقني، أي الفنون أقدر على رسم الصورة ونقلها بالشكل التقريبي إلى ذهن المتلقي؟ فهل القصيدة هي المتسيدة في نقل تفاصيل مجتمعٍ ما؟ أم أن ثمة لوحة فنية باستطاعتها رسم تصوّر في ذهن جيل لاحق، بشكل أعمق وأكبر من القصيدة؟ أو هل المعزوفة الموسيقية عبر الأذن، قد تكون الأنجح، في نسج خيال عن طريق الحس السمعي، في نقل ماهية الجو العام لحقبة مضت ولم تُعاصر. لعل ما يُقال ان "ليس السامع كالمعاين "، تضع المعزوفة الموسيقية في الخانة الأضعف، لتبقى اللوحة في دائرة التحدي مع القصيدة، تدوران في ذات المدار، بذات التساؤل والاستفهام. إن هذه القضية ليست حديثة في تداولها، ولكنها قديمة قدم الفنون وحضورها بين الناس، وعلى مستوى الذائقة واختلافها، يقول في ذلك الشاعر اليوناني سيمونيدس (الرسم شعر صامت والشعر تصوير ناطق (أي أن العلاقة وثيقة، في العملية الإبداعية، وفي إيصال الفكرة إلى الذهن البشري. ولعل من وجهة نظر خاصة، قد يكون الرسم، أسهل وأسلس لأكبر شريحة من البشر، فعلى سبيل المثال، عندما يقف شخص أمام لوحة فنية توضح لنا اقتحام سجن الباستيل في الثورة الفرنسية، هل سيكون لديه ذات التصور عندما يقرأ قصيدة للشاعر " ألفونس دي لامارتين" الذي عاصر الثورة وكتب عنها؟ الإجابة بالطبع ستكون أن ذلك عائد على المتلقي نفسه، ومدى استيعابه للقصيدة، ومفرداتها، وصورها البلاغية، وجميع ما تحتوي من تورية، ورمزية وغيرها، أي: لا يعيها إلا متذوق للشعر أو شاعر أو ناقد. بعكس الصورة التي يفهمها العامة، الكبير والصغير، المهتم وغير المهتم، بغض النظر عن ذائقته الأدبية، وميوله، وتعمقه في الفنون بجميع أصنافها، فهي قد تشرح لنا شكلا، وزينة، ووقوفا، واصطفافا، وجلوسا، وطريقة ملبس..الخ. ولعلي بذلك لا ألغي دور الشعر، فهو أولاً وأخيراً سيد من سادات الفنون الأدبية والتشكيلية، هو حلوى المتعبين، وراحة المنهكين، والجمال اللفظي الذي يبهرنا في موسيقى الحروف والكلمات، بصورة تطرب لها الآذان، وتدهش العقول والألباب. ولكني في تصنيفي، أصنع سلمًا، لهذه الفنون الثلاثة، ومدى قدرتها على إيصال المعلومة، من جيل مضى، إلى ذهن متلق لم يعاصر ذلك الوقت، ففي أعلى الهرم أرى اللوحة، ثم القصيدة، إلى أن تأتي في نهاية السلم المعزوفة الموسيقية.