14 سبتمبر 2025

تسجيل

جارتي الاستثنائية

29 أكتوبر 2013

تلقيت دعوة في إحدى المرات لزيارة جارتي البريطانية، التي دعتني إلى منزلها الكلاسيكي لشرب الشاي الإنجليزي والجلوس معها قليلاً. لفتت نظري الكتب والأوراق التي تتواجد في كل مكان بغرفة جلوسها، و"اللاب توب" الموجود على طاولة الطعام.. ذكرتني هذه الأجواء بأوقات الاختبارات وتسليم البحوث النهائية، فتوقعت أن حفيدتها موجودة في المنزل. أخبرتني لاحقاً بأن لديها الكثير من البحوث الجامعية التي تريد العمل عليها، لأنها تدرس بالجامعة بدوام جزئي عدة أيام في كل شهر، فتفاجأت من ذلك لأنها تتجاوز الستين عاماً.. وقلت لها اني لم أعتد على رؤية نساء يعدن لمقاعد الدراسة بعد مرور كل هذه السنوات من أعمارهن. فقالت لي: "لا أريد أن أعيش آخر عمري وأنا أشاهد التلفاز طوال اليوم بين ٤ جدران، بل أن أخرج إلى الحياة وأتعلم وأطور نفسي مادمت أستطيع ذلك"، شعرت بالأسف على النساء الكبيرات في مجتمعنا، لأن جلوسهن في منازلهن أصبح واجباً وأمراً اعتيادياً جداً، وقد لا يتقبل المجتمع فكرة رؤية امرأة في السبعين تحمل كتبها وواجباتها وتذهب إلى الجامعة لتتعلم وتثري عقلها. جارتي الاستثنائية، لا تدرس فقط.. بل تتطوع في كل مكان في مدينتها لمساعدة الناس، وتساعد الطلاب الأجانب المغتربين في إيجاد منازل لهم، وأسست ناديا مع صديقاتها لعمل لقاء أسبوعي يجمع كل المغتربين في المدينة حتى يشعروا بالانتماء والحُب بعيداً عن الوطن، وتسافر في إجازاتها لزيارة أصدقائها وأفراد عائلتها في كل مكان حول العالم لرؤية الثقافات المختلفة. من النادر جداً أن يكون لديها وقت فراغ، وفي حال وجدت وقتاً لذلك، فهي تحب مشاهدة الأفلام الوثائقية أو تطوير مهاراتها في الكمبيوتر أو قراءة الكتب. أتمنى من كل قلبي أن أرى في المجتمع العربي نماذج لهذه المرأة الاستثنائية الرائعة، وأن أرى الجميع.. كباراً وصغاراً.. مهتمين بالتعلم لإثراء عقولهم وحياتهم.. مهما بلغوا من العمر.. فكما يقول آدم سميث: العلم هو الترياق المضاد للتسمم بالجهل والخرافات.