13 سبتمبر 2025
تسجيلعندما ننظر إلى التاريخ وإلى أعظم الممالك والدول التي قامت وقادت عبر سائر العصور نجد الامبراطوريات مترامية الأطراف التي كانت تهيمن على مساحات كبيرة من العالم وتستأثر بمقدراته تاركة لبقية الدويلات الصغيرة العيش على هامش الحياة، فهذه الأخيرة لا دور حضاريا اضطلعت به ولا بصمة في الحياة تركت وكان شغلها الشاغل المحافظة على البقاء خشية أن تبتلعها القوى العظمى في أي لحظة، فتجد الكيانات الضعيفة بطبيعة الحال تخضع وتطيع الامبراطوريات الأقوى والأكبر، وما جعل الامبراطوريات الغابرة تقود وتسود هو استطاعتها ضم أقاليم مترامية ومتباعدة واتحاد شعوب هذه الأقاليم تحت راية واحدة، ولاشك أن في الاتحاد قوة ومهابة تبعث في نفوس الخصوم الرهبة والاحترام، لذلك لم يختلف الأمر في التاريخ الحديث فهذه القاعدة ثابتة، لذلك عند نشأة الدول الحديثة وعلى الرغم من قيامها على أساس عرقي إلا أن الرغبة في الهيمنة والسيطرة أو لنقل على أقل تقدير الرغبة في تكوين دول قوية جعل الكثير من الدول الحديثة تضم أقاليم وشعوبا وأعراقا عديدة في دولة واحدة قوية ومهابة هذا هو الحال مع معظم الدول الكبرى المعاصرة، حيث نجدها عبارة عن ولايات أو أقاليم اتحدت في دولة واحدة كبرى متجاهلة الاختلافات العرقية أو اللغوية أو حتى الدينية حتى تصل لتكوين دولة قوية، فروسيا الاتحادية وهي أكبر دولة في العالم من ناحية المساحة عبارة عن اتحاد فيدرالي يضم شعوبا وأقاليم مترامية بين آسيا وأوروبا، أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تتكون من خمسين ولاية متحدة على مساحة تتجاوز نصف مساحة قارة أمريكا الشمالية، وتأتي ألمانيا الاتحادية لتشكل أنموذجا ناجحا للدولة المتحدة، فهي تتكون من الألمانيتين الشرقية والغربية واللتين بدورهما تتكونان من عدة ولايات متحدة، بل وحتى الدول الصاعدة اقتصاديا كالهند والبرازيل هي عبارة عن دول متحدة في اتحادات فيدرالية وهذا ما يجعلها تصنف كدول كبيرة لها ثقلها السياسي على الخريطة الدولية، وعلى الرغم من أننا كمسلمين نملك من مقومات الوحدة أكثر مما يملكها غيرنا إلا أننا أبينا إلا التشرذم والانقسام في كيانات سياسية ضعيفة مما جعلنا في مؤخرة الأمم للأسف الشديد، وعلى الرغم من توافر مقومات الوحدة المتمثلة بوحدة الدين واللغة وتشابه العادات والتقاليد إلا أن الوحدة تبدو بعيدة المنال في الوقت الحاضر وذلك بسبب وجود الموانع المتمثلة في فساد أخلاق غير قليل من المسلمين وفي التظالم بينهم والتحاسد والتباغض والشحناء والأنانية والكبر وغيرها من سيئ الأخلاق ولا حول ولا قوة إلا بالله، إن هذه الأمة عندما كانت متحدة تحت راية الخلافة تغلبت على أعتى الامبراطوريات في زمانها وكان وقود انتصاراتها ووحدتها هو الإيمان الذي رسخ في القلوب فأفرز من الأخلاق أحسنها، أما هذه الأيام وبعد أن ضعف الإيمان كانت النتيجة فساد الأخلاق مما نتج عنه ضياع الوحدة والريادة والقيادة هذه هي الحقيقة فالإيمان والأخلاق والسياسة والدين والدنيا عبارة عن متلازمات ومنظومة متكاملة، والخلل في أحدها يؤثر ولابد في بقية المنظومة، والتصدع في الأساس المتمثل في الأخلاق ينتج عنه سقوط البنيان والصرح الحضاري المتمثل بالدولة، ختاما أسال الله أن يعيد لهذه الأمة عزها بعودة أخلاقها.