12 سبتمبر 2025
تسجيلقضية التعايش من القضايا المحورية في الفكر العالمي المعاصر، خاصة عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد برزت نتيجة الحاجة الماسة للأمن والسلم الدولي، حيث تعارف عليه في أدبيات الأمم المتحدة باسم التعايش السلمي أو البانشتشيلا والذي يدعو إلى نبذ الحروب ومعالجة أسبابها بالحوار قبل أن تتطور إلى مواجهات عسكرية تقضي على الأخضر واليابس، نظرا لأن تكلفة الحروب العالمية كانت باهظة على جميع الصعد وأخطرها وأسوأها كان على الصعيد الإنساني. هذا التعايش مثل تنظيف بيت كل أحد في العالم، إذ لو قام الجميع بنظافة حرم بيته لأصبح العالم نظيفا، وهكذا هو الحال بالنسبة للسلام العالمي، إذا نجحت الشعوب والأوطان في تحقيق سلامها وأمنها الاجتماعي لأصبح العالم سلميا، ومما يؤثر عن الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك قوله «سلام في الوطن.. سلام في كل الدنيا» ولذلك فإن السلام بحسب أسباب ونتائج الحروب العالمية أصبح قيمة مهدرة يحاول المجتمع الدولي المعاصر البحث عنها بعد أن أضاعها في كثير من الحروب البلهاء التي يبدأها ثم لا يعرف أن ينهيها إلا كما حدث على الطريقة الأمريكية في اليابان حيث حسمت الحرب بإلقاء القنابل النووية على هيروشيما ونجازاكي وكان الدمار هائلا ولا يزال مستمرا إلى اليوم. السلام العالمي أكبر من أن يكون قضية للمزايدة والمتاجرة، وحين تعجز الدول عن الحصول عليه فهي فاشلة، فهو الأصل والحرب هي الاستثناء، وبحديث السلام الداخلي يمكن أن نستشهد بالتجربة السورية التي أنتجت للعالم أسوأ كارثة إنسانية تنتفي مع مقتضيات السلام العالمي الذي تقترب به من حدود الانهيار والمواجهة العسكرية، فسوريا الحالية وإن كانت نموذجا للدولة الفاشلة إلا أنها بحق تستفز الإنسانية وتتطلب مواجهتها بأكثر من الحرب، حيث لا بد من عزلة دولية أكبر للنظام الحاكم وقطع سبل الحياة عنه، وقد يتضرر الشعب من ذلك ولكن ما دفعه هذا الشعب من ثمن لن يكون بأسوأ من الصبر على فترة تسهم في تفريغ المحتوى السياسي للنظام وإضعافه عسكريا في الميدان لصالح الجيش الحر. على المجتمع الدولي أن ينظر لقضية السلام العالمي بأكثر من الحسابات السياسية الضيقة لأن الإنسانية معرضة لمخاطر عظيمة كلما طال بقاء النظام السوري الذي يفتك بالمئات الأبرياء يوميا ويحتاجون لموقف دولي يتوافق مع التعايش السلمي ومطلوبات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.