12 سبتمبر 2025

تسجيل

أيها الآباء ... لا تشوهوا الفطرة

29 أغسطس 2018

ننطلق من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.  الفطرة السوية هي الصفة اللصيقة بكل مولود ينشأ عليها ويكبر بها وهذا الحديث بين الدور السلبي لبعض الوالدين ( الآباء والأمهات) فأحياناً بقاء المولود دون تدخل الوالدين يكون أفضل من تدخلاتهما التي قد تؤدي إلى ما نسميه تشويه الفطرة أو انحرافها، إذن فإن الدور الصحيح للوالدين يمكن أن يرتكز على جانبين أساسيين: الأول حماية الفطرة مما قد يؤثر عليها من البيئة الخارجية التي قد تجرفها وتغير مسارها. والثاني تعزيز تلك الفطرة السليمة بالنموذج العملي السليم من قبل الوالدين الذي قد يحاكيه الأبناء في مراحلهم العمرية. إن التدخلات المتكررة من قبل بعض الوالدين لما قد يتوهمانه من تقويم لسلوك أولادهما في المراحل المبكرة إنما هو في كثير من حالاته إمعان في تشويه الفطرة لاعتبارات كثيرة منها أن بعض الوالدين تصدر توجيهاتهما لأبنائهما بناء على معايير فاسدة لا تتوافق مع تعاليم الإسلام، فالبعض يوجه أبناءه اعتمادًا على تجاربه الشخصية، والبعض يستند الى أعراف قبيلته وعشيرته فيملأ قاموس أطفاله بمصطلح (العيب) الذي قد يوازي عنده أو يفوق مفهوم الحرام، والبعض الآخر - للأسف - بدافع من غريزة سيئة كحقد أو حسد أو غيرَة من طرف آخر تراه يوجه أبناءه توجيهًا لا شعوريًا ليتشكلوا كنموذج حربي يشفي غليله من الطرف الآخر ليقول في نهاية جولته في المعركة: انتصرت، في حين كان الضحية أولادًا مشوهي الفطرة. المتأمل في النصوص الشرعية يجد أن التوجيهات للأطفال في غالبها إيجابية وقليلة فلا إكثار من المنع ووضع القيود، ففي الحديث التوجيهي ( ياغلام سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك) لم يستخدم معلم البشرية صلى الله عليه وسلم ألفاظًا سالبة: لا تأكل بشمالك، ولا تجعل يدك تطيش في الصفحة. فلو تأملنا في تعاملنا مع أطفالنا وسألنا أنفسنا كم مرة ، لا أقول في العام ولا في الشهر ولا في الأسبوع بل في اليوم، ونحن نسرد على أطفالنا قائمة من المناهي والزواجر حتى في أبسط أمور ألعابهم وتحركاتهم وكأننا نستنسخ آلة نستمتع بها لخدمة شهوتنا باستماع مديح كاذب من آخرين يقولون إن أولادك مؤدبون، فهل كان الأدب يومًا خمولًا وسلبية. إننا كلما توسعنا في دائرة الرقابة السلبية وإصدار المناهي لأطفالنا فإننا نقتل فيهم طفولتهم التي هي مبدأ انطلاقتهم ونبوغهم وإبداعهم، إننا نشوه فِطَرَهم السليمة لنحصد جيلاً مشوهًا في سلوكياته، وبدلًا من أن نبني جيلًا للمستقبل فإننا ننتج عاهات تحمل جميع أخطائنا وتشوهاتنا في الماضي. لا أقصد هنا إقصاء دور الوالدين والإضعاف من أهميته في التربية بل نريد أن يتم تصحيح التوجه لنتحول من دور النهي المفرط اللاموضوعي إلى التركيز على المنهج السليم والتوجيهات الصامتة المتمثلة بالقدوة الصالحة.