15 سبتمبر 2025
تسجيلالمشهد العراقي المتغير بدرجة حادة خلال الأيام الأخيرة، قد جسّد بشكل طبيعي حجم وطبيعة الضغوط و التجاذبات التي يعيشها المجتمع العراقي وهو يحاول تخطي وعبور آثار مرحلة سياسية متدنية هي الأشد سواداً في تاريخ العراق المعاصر. فبعد حراك جماهيري كان هو الأقوى منذ الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، وبعد إنقشاع الغشاوة الطائفية عن قطاعات جماهيرية عديدة رأت في الحكومات التي تشكلت بعد الإحتلال مجرد أدوات نهب لإمكانيات دولة تحولت لدولة فاشلة بسبب حجم النهب و الفشل في إدارة أمور الدولة والمجتمع الذي هيمنت عليه نخب سياسية فاشلة ذات حمولات طائفية بائسة جعلت من السلطة مجالا حيويا واسعا للنهب و الفساد و الإفساد ، لقد تحرك الشارع العراقي بعفوية و أطلقت الجماهير لمشاعرها العنان ، وصدحت بشعارات تغييرية ، ورفعت رايات إسقاط الفساد ، وبما فاجأ المؤسسة الحاكمة التي تعاني هي الأخرى من صراعات بينية قاتلة ، ومن تدهور عام للأوضاع، ومن إنتكاسة عسكرية في مواجهة تنظيم الدولة الذي فشلت جموع الحشد الطائفي و الجيش في القضاء عليه أو تحجيم خطره ، في ظل حالة إستنزاف عسكري يومي يعني الكثير في دولة تترنح و تعاني من أمراض خطيرة ، لقد كان واضحا منذ البداية بأنه كانت هنالك ولا زالت ملامح صراع شرسة حول مستقبل الدولة و الهوية الوطنية للعراق، فالأحزاب الطائفية وهي تتسلح عبر ميليشياتها الإرهابية و تستقوي بالدولة الإيرانية وأجهزتها الأمنية و العسكرية، تحاول جاهدة ومن خلال أساليب عديدة و بشكل متدرج فرض النموذج السلطوي الإيراني في العراق ، كما يفعل مثلا قادة حزب الدعوة و مجلس الحكيم الأعلى و العصابات المسلحة الميليشياوية التي تعمل في الشارع تطبيقا لتلك الرؤى وتقريبا لليوم الإيراني الموعود من أمثال عصابة العصائب أو حزب الله أو عصابة بدر أو غيرها ، فالنموذج الإيراني حاضر من خلال جموع الحشد الشعبي التي تمثل في الفكر والمنهج الإيراني النسخة العراقية لـ ( تعبئة المستضعفين ) أو الباسيج ، بينما جموع الشعب الأخرى والمغيب صوتها وبما فيهم شطر كبير جدا من شيعة العراق حريصون على هويتهم الوطنية ويرفضون رفضا تاما الإندماج في النموذج الإيراني الذي يمهد لوحدة ولاية الفقيه وبما يعني إبتلاع العراق بالكامل من قبل الإيرانيين ورجالهم وأحزابهم!!، لذلك شاهدنا وسمعنا أن أعنف الشعارات الموجهة ضد الإيرانيين وأحزابهم الطائفية قد إنطلقت من أفواه متظاهري النجف وكربلاء و الحلة!! بل أن العنف السلطوي في مواجهة الجماهير قد بلغ مداه في هذه النقاط الحساسة، من الواضح إن الحراك الجماهيري العراقي الهادف للتحرر من القبضة الطائفية و التأثير الإيراني المباشر قد خفتت حدته ولم ينجح أو يتطور في تشكيل أساليبه، فمتظاهرو ومعتصمو مدينة البصرة مثلا قد قرروا إنهاء إعتصامهم بعد تهديد الميليشيات الطائفية لهم وقيام سرايا عاشوراء التابعة لجماعة عمار الحكيم بإستعمال القوة لفض اعتصامهم!! مما أدى لانسحابهم! ، وكذلك الحال مع بقية مدن وحواضر العراق!. أما على المستوى الحكومي فالحديث عن محاربة الفساد و تغيير الأوضاع و تقليل وإبعاد النفوذ والهيمنة الإيرانية مجرد شعارات فارغة من أي مضمون حركي حقيقي، فقائد فيلق القدس قاسم سليماني لا زال يحظى بنفوذ هائل وهو يتنقل بكل حرية في العراق بل ويصدر الأوامر التنظيمية لقيادات الميليشيات الطائفية، أما قمة جبل الفساد وهو رئبيس الحكومة السابق المخلوع نوري المالكي فقد عاد لمقعده البرلماني معززا بحصانة تحميه من المساءلة !! فهو عمليا لا زال القائد الحزبي الذي يخضع رئيس الحكومة حيدر العبادي لأوامره ونواهيه!!.. كل ما حصل من إجراءات على مستوى السلطة لمواجهة غضب الشارع العراقي مجرد لمسات ناعمة لمتغيرات لن تحدث أبداً، وماهي إلا عملية ذر الرماد في العيون كما أكدنا سابقاً في أكثر من مناسبة، فبدون أن ينزع رئيس الحكومة لباسه الحزبي ويخرج من بين صفوف الدعوة ليكون رئيسا لحكومة كل العراقيين، فليس ثمة أمل حقيقي في الإصلاح الحقيقي، التيار الإيراني الصاعق في العراق أقوى مما هو متصور! وإدارة الصراع على المستوى الشعبي لم تصل بعد لدرجة يمكن لها التخلص منه أو حتى تخفيفه..!! ولا زال الصراع مستمرا...!