02 نوفمبر 2025

تسجيل

نعيب زماننا والعيب فينا

29 أغسطس 2014

نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا ينتقد الإمام الشافعي (رحمه الله) أهل زمانه وهم يعيبون زمانهم بينما يكمن العيب بهم، والزمان الذي يتحدث عنه الإمام الشافعي هو زمان حكم الخلفاء هارون الرشيد والمأمون والمعتصم العباسيين والذي يعده المؤرخون من العصور الذهبية للخلافة الإسلامية، ولعل أسوأ ما اتسم به ذلك العصر ما سمي بفتنة خلق القرآن الكريم التي أتى بها المعتزلة وتبناها الخليفتان المأمون والمعتصم من بعده وتصدى لها كبار فقهاء وعلماء أهل السنة والجماعة ومنهم الإمامان أحمد بن حنبل والشافعي (رحمها الله)، أما زماننا هذا والذي يعد زمن الفتن الكبرى والكراهية وتكفير الآخرين والاحتقان الطائفي بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد، زمان نسي فيه العرب والمسلمون عدوهم المعروف واجتمعوا على عداء بعضهم بعضا من أبناء جلدتهم ودينهم، زمان أتى علينا كما وصفه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ) . وبينما نستخدم في زمننا هذا أحدث ما توصلت إليه الثورة التكنولوجية وثورة المعلومات نصر على العيش بالماضي السحيق ونتعامل مع الآخرين شركائنا في الوطن والدين بناء على أحداث مضت وأفل زمنها، بدلاً من أن نتطلع جميعاً للمستقبل وتكون أوطاننا العربية والإسلامية سفن النجاة التي تحمينا وتنقلنا إلى بر الأمان، وفي هذا يروي عالم الاجتماع العراقي علي الوردي حادثة له عندما كان طالب دكتوراه في أمريكا إذ يقول (نشب نقاش عنيف بين عدد من الرجال المسلمين حول أحقية الخلافة بين علي وعمر وحينما اشتد الخلاف وبان الغضب على وجوه المتناقشين سأل الأمريكي الذي كان بصحبتي عما إذا كان هؤلاء الأشخاص يتحدثون عن المتنافسين حاليا على الرئاسة في إحدى الدول العربية، فأجاب علي الوردي بأن علي وعمر عاشا في الحجاز قبل أكثر من 1300 سنة فما كان من الأمريكي إلا أن ضحك حتى سقط على الأرض من الضحك وضحك معه علي الوردي، ثم عقب الوردي على الموقف بقوله (إن شر البلية ما يضحك) . زماننا هذا زمان الأفكار المتطرفة التي انتشرت بين الكثير من الشباب المسلمين، والتي تبنتها التنظيمات المسلحة ذات الأجندات الشيطانية ووجدت ضالتها في هؤلاء الشباب الذين فقدوا بوصلة النجاة فما استقرت نفوسهم في مراسي الأمان، فتحكمت بعقولهم وأجسادهم بما يعيث الفساد في الأرض ويهلك الحرث والنسل، كل هذا يعكس الإفلاس الفكري والخواء النفسي وغياب القدوة والمثل الصالح أمام هؤلاء الشباب . ما أحوجنا في زماننا هذا إلى عقول المفكرين المصلحين مثل الذين جاد بهم الزمان في فترات أكثر حلكة وتردي في تاريخنا العربي والإسلامي، وكان لها دور عظيم في الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي لمجتمعاتنا .