13 سبتمبر 2025

تسجيل

عشر ذي الحجة

29 يوليو 2020

قال النابغة الجعدي رضي الله عنه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع قصيدة هي من عيون الشعر العربي: خليليّ غضّا ساعةً وتهجّرا ولوما على ما أحدث الدّهر أو ذرا تذكرت شيئاً قد مضى لسبيله ومن عادة المحزون أن يتذكّرا نداماي عند المنذر بن محرّقٍ أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا صدقت والله يا أبا ليلى... فالشوق الى من غاب عنا والحزن على من واراه الثرى هو مما جبل الله عليه النفس البشرية، وهو مما يشترك فيه جميع البشر. ويروى في الموروث الشعبي حكاية رجل حكيم حازم أتاه خبر وفاة ابنه الوحيد، وما أحزنه أكثر هو حزن زوجته التي بكت على فراق ابنها بكاءً يقطّع منه نياط القلوب حتى كاد حزنها يلحقها بابنها. ولكن بعد ثلاثة أيام قام هذا الرجل الحكيم فصنع طعاماً ودفعه الى زوجته، طالباً منها أن تتصدق بهذا الطعام على الجيران والفقراء والمساكين، لكي يكون صدقة في ثواب ابنهما الوحيد وفلذة كبدهما المفقود، ولكنه اشترط عليها ألا يأكل منه أحد لم يصبه شيء من مصائب الدهر. فجالت الام الثكلى على بيوت الجيران ثم عادت بعد قليل وهي تكفكف دموعها، لأنها لم تجد بيتاً قد سلم من فاجعة من فواجع الدهر. يقول لبيد بن ربيعة: وكل أناسٍ سوف تدخل بينهم دويهيةٌ تصفر منها الأنامل وكما جعل الله فراق الأحبة والأماكن من أقداره، فإنه عز وجل من رحمته بعباده أن جعل لهم فرصاً يتحينون قدومها وينتظرون أن تحل عليهم فيعملوا فيها أعمالاً يبتغون منها رضوان الله ورحماته، لكي تتنزل بإذنه عليهم وعلى أحيائهم وأمواتهم كهذه الأيام الفضيلة. وفضل هذه الأيام العظيمة لا يخفى على مسلم أنه يأتي بالتزامن مع الركن الخامس من أركان الإسلام العظيم، الذي تم حرماننا منه بلا سبب إلا ظلما وجورا للسنة الرابعة على التوالي، "بتطفيف" وبغي ظالم من جار جائر لم يراع فينا إلّاً ولا ذمة. ووالله إني لأتعجب كيف لهم ان يناموا ملء جفونهم وهم يعلمون أنهم حرموا عباد الله من زيارة بيته؟. ألم يخطر ببالهم كم مسلم توفاه الله في سنوات الحصار الجائر ارتقت روحه الى بارئها وهو ممنوع من زيارة مكة المكرمة؟ من يستطيع ان يتحمل كل هذه الأوزار؟ ألا يزعمون أنهم حماة التوحيد؟ اين هذا التوحيد الذي يحمونه؟ بل ما هو هذا التوحيد الذي يزعمون؟. ونحن وان كان عجبنا وحزننا لا ينقضي منهم إلا انه إن كانوا حرمونا من المشاعر المقدسة، فإن العزيز الكريم اللطيف بعباده لم يحرمنا من مخ العبادة وهو الدعاء، كما قال الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام. وإن أكبر تعزية للنفس المشتاقة المحرومة من زيارة بيت الله ما قاله عليه افضل الصلاة والسلام لما أقبل على المدينة قافلا من غزوة تبوك (إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر). اللهم ان اهل قطر قد حبسهم العذر كما حبس أصحاب رسولك عذرهم في غزوة تبوك، اللهم فإن كان حبسنا العذر القاهر عما نشتاق له من شعائرك المعظمة فنسألك اللهم أن تتقبل أضاحينا في هذه الأيام الجليلة، وأن تجعلها في موازين اعمالنا وان تتجاوز عن تقصيرنا وأن ترحم موتانا وموتى المسلمين.