03 نوفمبر 2025
تسجيليختلف الناس في نظرتهم إلى النسيان، ولو سئلوا عنه لوجدتهم بادي الرأي، منقسمين إلى فريقين، فريق يراه نقمة وآفة، وفريق آخر يراه نعمة وإفادة، ولرأي كل فريق تعليل ودليل، تجعل له وجاهة واعتباراً، فمن ذهب إلى أن النسيان نقمة، رأى فيه سبباً في ضياع ما يتعلمه المرء من العلوم والمعارف، وما يكتسبه من الخبرات والثقافات، وقديماً قالوا آفة العلم النسيان ،وسبباً فيما يطرأ من زلات وهفوات في الأعمال والأفعال والأقوال، ما يسمونه سهواً.ومن يقول بأن النسيان نعمة، قصد بوجهة نظره، إلى أنه يكون نعمة إن أنساك إساءة الناس لك وإحسانك إليهم، ففي ذلك راحة نفسك من البغض والحقد، وسلامة عرضك من المن والأذى، وإن هو بعدُ أنساك ما مر بك من صروف الدهر المؤلمة القاسية، التي أبقت في فكرك ذكريات سوداء، تلوح لناظريك كلما عنّ لك أمر، أو حزبك شيء، فتريك العالم مظلماً أقتماً، كما قد خبرته من قبل.والحق أن النسيان طبيعة في العقل البشري، وسجية جبل عليها، في أصل خلق الله للإنسان، ولعل ما في تجانس اللفظين الإنسان والنسيان، ما ينبيك بهذه الحقيقة، ولكن ثمة أشياء، لا يجمُل بالإنسان أن يدع سلطان النسيان يبسط حكمه عليها، وينفذ أمره إليها، ومن أعظم وأهم هذه الأشياء، ما جاء على لسان النبي عليه الصلاة والسلام، مخاطباً الصحابة رضي الله عنهم، حينما قال: (لا تنسوا العظيمتين، قالوا: وما العظيمتان، قال: الجنة والنار).ومعنى عدم نسيانهما، ألا ننشغل ونغفل عن عمل الطاعات من الواجبات والمستحبات، الموجبة دخول الجنة، وأن نهجر المحرمات والمعصيات، ونتورع عن الشبهات والمكروهات، التي تُهوي في النار، يا ويحنا!! كيف لنا أن ننسى الجنة والنار، وهما أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، قال عليه الصلاة والسلام: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك).وهما قريبتان منا كل هذا القرب؛ لأنه لا يفصلنا عنهما إلا الموت، فمن مات فمصيره إما إلى الجنة، وإما إلى النار، ويدلك على هذا، قول النبي عليه الصلاة والسلام في فضل من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة: (لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)، كما أن الموت كذلك - ولا شك في هذا - أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذ قال:كل امرئ مصبح في أهلهوالموت أدنى من شراك نعلهزبدة القول:قال عليه الصلاة والسلام: (من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار).اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، هذه هي دعوة المسلم ونغمته، التي حولها يدندن، وقطب حياته الذي عليه يدور.