11 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا أبارك لها الطلاق؟

29 يونيو 2021

بعد زواج دام ست سنوات، وأسفر عن طفلتين، قررت سيدة طلب الطلاق. لماذا؟ لأن زوجها مثقف زيادة عن اللزوم، وأعلن عبر هذه الزاوية عن تعاطفي التام معها، فهذا الزوج حريص على اقتناء مختلف أنواع الكتب وقراءتها. بس "مسَّخْها" حبتين. بل حبات وحبوب كثيرة، فهو يعود من عمله ويغلق باب الغرفة عليه، ويظل يقرأ حتى يداهمه النوم. وخلال العطل الأسبوعية ينسف كتابين أو ثلاثة، أي يقرؤهما من الغلاف الى الغلاف، ولو وقف الأمر عند هذا الحد لربما لم تكن الزوجة ستطالب بالطلاق. شيئا فشيئا صار الزوج لا يقبل أي حديث يوجه إليه وهو يقرأ: يا زوجي يا حبيب، الدش عطلان.. إلهي يوقع ويدشدش راسك.. تأتي صغيرته: بابا ممكن تروح ويانا الحديقة.. روحي مع أمك في داهية تودي ما تجيب.. بابا عندي مغص.. امسكي لسانك اللي يستأهل القص!! وأمام القاضي أكد البعل الفحل أنه سيظل يعطي الأولوية للكتب على زوجته وعياله، فكان الحكم بالطلاق البائن. في فترة ما من فترات مسيرتي الزوجية الظافرة (طالما هي مستمرة فهي ظافرة) كانت زوجتي ستطالب بالخلع لو كانت تعرف بوجوده، فقد كنت مثل سبع البرمبه ذاك: في الصباح أقلب نحو خمس صحف قبل الخروج الى العمل. وبعد العودة من العمل أتناول الغداء وأحبس نفسي داخل غرفة وأقرأ في كتاب او أكثر (عادة لا أنام بعد الظهر إلا مرة كل سنتين، وتذكر أنني سوداني تؤلف حولي نكات الكسل الوراثي)، وفي المساء أتابع نشرة أخبار رئيسية في التلفزيون، ثم أستلقي على ظهري في السرير وأواصل القراءة. أعود بذاكرتي الى تلك الفترة وأحس بالذنب والتقصير. من الناحية العملية لم أكن أتكلم مع زوجتي في أمور عادية ما لم تبادر هي ب"فتح" موضوع ما، وحتى عندما أبادلها الحديث حول ذلك الموضوع كنت أتعمد "قفله" بأسرع ما يمكن حتى يتسنى لي مواصلة القراءة، وما يخجلني أكثر هو أنني خفضت ساعات القراءة بنسبة تبلغ نحو 15% بعد مولد طفلنا الأول، ونسبة 25% بعد مولد الطفل الثاني، وهلم جرا. بعبارة أخرى لم أقلل ساعات القراءة وأخصص جزءا كبيرا من وقتي للعائلة إلا لإحساسي بأن لعيالي عليَّ حقا. أقصد أنني لم أفعل ذلك مراعاة لخاطر ومشاعر زوجتي بل "عيالي"، وخذ في الاعتبار أنه كان يفترض ان أكون الصديق والأنيس الأول لزوجتي. لم أسمع شكوى من زوجتي حول كل ذلك إلا بعد أن استغنى أصغر عيالي عني كشريك في اللعب، وعدت الى القراءة بنهم.. صارت أم المعارك تخاطبني بتهكم بعبارات مثل "اتفضل البيت بيتك". كلما دخلت البيت.. أو "لماذا لا تستأجر البيت المجاور لنفسك كي تتفرغ للقراءة؟". توقفت عن القراءة الجادة ستة أشهر متصلة، مكتفيا بقراءة الصحف والمجلات على عجل.. رق قلب زوجتي، وتوصلنا الى اتفاق بأنه من حقي ان أعيش في عزلة وهدوء لثلاث ساعات عقب عودتي من العمل. ويا ويلي إذا ضبطتني أقرأ في الأمسيات. (صارت أكثر ديمقراطية وتسمح لي بمتابعة نشرات الأخبار وبعض البرامج الوثائقية في التلفزيون مساءً). بيوت الزوجية ليست شركات فيها طرف يحمل نسبة أكبر من الأسهم، وبالتالي له صلاحية اتخاذ قرارات فردية او تجاهل الطرف الآخر، وهناك كثير من الأزواج/الآباء الذين يعودون الى بيوتهم ويفرضون على عيالهم وزوجاتهم حظر التجوال ويصادرون حرياتهم في التعبير لأنهم ينشدون الراحة لساعات معينة. لا بأس في ذلك. ولكن أن تنام بعد عودتك من العمل، ثم تنهض وتستحم وتغادر البيت في أول المساء لقضاء وقتك مع أشخاص آخرين، وتعود الى البيت في "أنصاص" الليالي، فهذا أمر فيه كل البأس والغلط. ولكن وبالمقابل فالمحزن ان بعض السيدات - والنساء عادة أكثر التصاقا واهتماما بشؤون عائلاتهن - كثيرا ما يخصصن معظم أوقاتهن للتلفون والتلفزيون والسوق والزيارات التي لا تنتهي. المهم انني صرت على المستوى الشخصي أخصص الكثير من الوقت لعائلتي الصغيرة، ومع هذا ما ان اجلس لكتابة مقال وهو أمر لا يستغرق أكثر من نصف ساعة حتى تصيح الهانم: يومك كله في الكمبيوتر، وأتذكر هنا السيدة التي حشا لها الطبيب ضرسا فعادت إليه وقالت إنها كلما لمست ذلك الضرس بطرف لسانها أحست بأن به فجوة – بمعنى عدم وجود الحشية – فقال لها الطبيب: أنت تعرفين أن لسان المرأة "يبالغ" في كل شيء. [email protected]