04 نوفمبر 2025

تسجيل

خطر اللسان

29 يونيو 2015

ما دمنا تحدثنا آنفاً عن الكلام وفضله، فلابد لنا من أن نأتي بشيء من الذكر على آلته وأداته، ألا وهي اللسان، الصغير جِرمهُ العظيم جُرمهُ، كما قال بعض الحكماء، وجِرمه الأولى بكسر الجيم بمعنى حجمه، والثانية بضمها بمعنى جريمته وذنبه وبين الكلمتين كما لا يخفى جناس ناقص، وهل ثمة شيءٌ أعظم يدلك على هذا من الحديث الطويل الذي رواه معاذ بن جبل، وقد سأل النبي فقال: يا رسول أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ فقال: لقد سألت عن عظيم، فعدد له أركان الإسلام، ثم دلّه على أبواب الخير، الصوم والصدقة وصلاة الليل، ثم أخبره برأس الأمر وعموده وذروة سنامه، الإسلام والصلاة والجهاد على التوالي، ثم قال - هنا محل الشاهد: ألا أخبرك بمَلاك ذلك كله، قال: كُفَّ عليك هذا وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم، وقوله: (ثكلتك أمك) أي فقَدَتك، وهو دعاء لا يقصد على حقيقته، وإنما يراد به التوبيخ والتأنيب، فانظر وتأمل واعتبر من عظم وخطر الأمر وانتبه من الغفلة عنه!.وعن صاحبيٍّ آخر سأل رسول الله ما النجاة، قال: (أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطِيئتك)، وسئل مرة عليه الصلاة والسلام عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: الفرج واللسان، لذلك قال في حديث آخر صحيح: (من يضمن لي ما بين لحْييه - فكّيه - وما بين رجليه أضمن له الجنة)، حتى أن كل الأعضاء إذا أصبح ابن آدم تكفِّرُ اللسان أي تتذلل وتتواضع له، وتقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك، أي تَبعاً لك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، كما ورد ذلك في الحديث، ومما جاء في منثور الحكم، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، وقد كان أول من جاء بهذا المعنى، الشاعر الجاهلي المشهور، زهير بن أبي سُلمى، حين قال في معلقته:لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده فلم يبقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِاعلم أن لسانك عنوانك، يستدل به على عقلك وأصلك، وهو مفتاح قلبك عند تكلمك، وتذكر دائماً وأبداً القول المأثور الآتي، واعمل به: (لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام رجع إلى قلبه، فإن كان له تكلم، وإن كان عليه أمسك، وقلب الجاهل من وراء لسانه، يتكلم بكل ما عَرَض له).اللهم إنا نستغفرك ونعوذ بك من سيئات وزلات وفلتات ألسننا، ونسألك إيماناً صحيحاً، يُرى أثره على أعمالنا وأقوالنا.آخر سطر:مِنْ أبلغ وأروع الحكم: إذا تمَّ العقل نَقُصَ الكلام، وقولهم: عقلُ المرء مخبوء تحت لسانه.ومما كانت الحكماءُ قالتْ لسانُ المرءِ مِن تَبَعِ الفؤادِ