15 سبتمبر 2025

تسجيل

حارسة المال

29 يونيو 2015

يقول علماؤنا إن الزكاة حارس على الأموال وعلى أصحابها، فإذا شبع الجائع، واكتسى العاري عم الأمن والسلام، إنها تطبع الفرد على حب البذل والسخاء، وتغرس في المجتمع بذور التعاون والإخاء، وهي لا تحل المشكلة المالية بالعصا والسوط، ولكن بإيقاظ الضمائر وتنوير العقول .وفي هذا يروي الدكتور محمد راتب النابلسي في أحد دروسه قصة الصحابي ثعلبة وقد كان يسمى حمامة المسجد، لأنه كان لا تفوته تكبيرة الإحرام خلف سيد الأنام، حيث رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- يرتدي ثوباً بالياً فسأله: كيف حالك يا ثعلبة ؟ فيقول: حالي كما تراني، ولم يقل: الحمد لله، لقد غفا قلبه، وانغمس في وحول الحياة، ثم قال ثعلبة: سل الله أن يغنيني يا رسول الله ؟ فنظر إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعين البصيرة، وقال له "يا ثعلبة، قليل يكفيك خير من كثير يطغيك، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تؤدي حقه، يا ثعلبة ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس، يا ثعلبة ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، ومن أصبح حزيناً على الدنيا فقد أصبح ساخطاً على ربه، من شكا مصيبة نزلت به فكأنما يشكو الله عز وجل، من قعد إلى غني لينال من ماله فقد ذهب ثلثا دينه" لكن ثعلبة ألح في الطلب، بل قال: لئن أغناني الله لأصدَّقنَّ، ولأكونن من الصالحين، عندها قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أغن ثعلبة بما شئت، وكيف شئت" ودعوة الرسول ليس بينها وبين الله حجاب .ورزق ثعلبة برؤوس الأغنام، وزادت وتوالدت حتى ضاقت بها شعاب المدينة، ثم ماذا حدث بعد هذا؟ لقد قطع ثعلبة صلته بالمسجد فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجده، فسأل عن حمامة المسجد فإذا بها قد قُصت أجنحتها، وتمرغت في وحول المال، قطع ثعلبة صلته بالمسجد، واستنكفت نفسه أن يجلس على الأرض، واستكبرت نفسه أن تسجد لله! ومضى عام، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثعلبة من يأخذ منه زكاة ماله . نظر ثعلبة في الأمر، فإذا به ينطق بكلمة السوء، ويقول لعامل بيت المال: بلِّغ صاحبك" ولم يقل بلِّغ رسول الله "أن ليس في الإسلام زكاة، فقال له مبعوث رسول الله: أو ما تراه لك صاحباً ؟ لقد جمعت إلى منع الزكاة نقض العهد، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ثعلبة وقوله فقال: "يا ويح ثعلبة"، ثم نزل بثعلبة وبأمثاله قرآن يُتلى إلى يوم القيامة: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ(75)فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ صدق الله العظيم، فبعد أن عاهد ثعلبة الله نقض عهده وجاء ثعلبة بعد ذلك بالمال للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول قال لثعلبة ما كنت لأقبل شيئا رده الله، وبعد ذلك في عهد أبي بكر وعهد عمر وعهد عثمان كلهم رفضوا أن يأخذو ما رفضه الله ورسوله ومات ثعلبة في عهد عثمان بن عفان وحسابه عند رب جبار منتقم .وأخيراً: أذكر نفسي أولا وقبلكم، وذلك لكوني سفيرة لصندوق الزكاة وأفتخر بذلك، وثانيا لأنني كاتبة لهذا المقال وأذكركم أنتم أعزائي بالزكاة فهي تلك الفريضة المنسية وأقول إن المال مال الله، والغني مُستخلف فيه، والفقراء عيال الله، وأحب خلفاء الله إلى الله أبرهم بعياله، والبر ذمةٌ وفريضة لا منةٌ وعطاء، قال تعالى ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ فالزكاة فريضة واجبة على كل مسلم موحد بالله. فاللهم هل بلغت اللهم فاشهد .