11 سبتمبر 2025

تسجيل

البيئة الثلجية "2 — 2"

29 يونيو 2011

بالنسبة للتنظيم الاجتماعي للشعوب القطبية فهو مثير للدهشة: فإسكيمو شمال كندا مثلا يجتمعون في فصل الشتاء، حيث يحفرون منازل عند قدم المنحدرات الشديدة، إذا سمحت طبيعة المنطقة بذلك، أو يبنون منازل من الثلج، مطمورة تحت الأرض، حيث يكون لكل أسرة صغيرة حيزها على المقعد الذي يحيط بالمجال المسكون، غير أن الحياة تبقى جماعية، والتموين يكون بصيد عجل البحر عند الثقوب التي أنشأها عبر الجليد للتنفس منها. وفي الصيف يفترق الإسكيمو في عائلات صغيرة، حيث تكون لكل عائلة خيمة من جلد الرن أو عجل البحر، تقام على عصي طويلة تثبت في الأرض بالحجارة. إلا أن التموين في الصيف لا يكون بعجل البحر بل بالصيد البري. وقد فسر المنزل الجماعي في الشتاء عند الإسكيمو بأنه لغرض الحصول على تدفئة أفضل. فاجتماع العديد من الأشخاص في منزل واحد يزيد من حرارة المنزل، ويقتصد من استعمال الوقود (يوقد المصباح بشحم عجل البحر)، وهذا تفسير موضوعي، كما أن التجمع في الشتاء والتبعثر في الصيف يفسر بالتموين، حيث تتموقع عجول البحر في أماكن محددة في الشتاء، ويسهل صيدها، بينما تتفرق في فصل الصيف ويصعب الحصول عليها، وهذا أيضا تفسير لا بأس به، لكنه لا يكفي، إذ كيف يفسر استعمال الخيم طول السنة، وتحت أجواء جد باردة، وتدفئة شبه منعدمة، عند قبائل الهنود الذين يعيشون في جزر شمال كندا، وهنود غابة ألاسكا، ومع ذلك لم يفكروا في إقامة منازل جماعية بقصد التدفئة. والفروق في أنماط السكن وفي تجمعه بين إسكيمو شمال كندا وإسكيمو أطا في جرينلاند لا يدعم الفرضيتين السابقتين المبنيتين على التجمع من أجل التدفئة، والتشتت نتيجة تبعثر عجول البحر. فإسكيمو جرينلاند يقيمون في الشتاء في منازل عائلية منفصلة مصنوعة من الخشب، إلا أنها مجمعة في منطقة واحدة، وفي الصيف تتفرق العائلات، حيث ينصرف الرجال لصيد عجل البحر بالبندقية، والنساء يجففن شرائح اللحم، بينما يقوم الأطفال بصيد الأسماك وتجفيفها لتستهلك في الشتاء. فالفروق في أنماط السكن، وفي تجمعه تمليها إذن عوامل حضارية. فالحياة الجماعية تتوافق مع انشغالات اجتماعية دينية: فالحياة الدينية عند الإسكيمو مثلا، تقلص في الصيف، بينما هي كثيفة في الشتاء. ورغم أن الإسكيمو مشهود لهم بمعرفة المناخ القطبي وتوقعات تغيراته، كما تؤكد ذلك الكثير من الدراسات، ويبدو هذا من خلال العناية التي يولونها لإعداد ملابسهم الشتوية المصنوعة من جلد الرن، إلا أنهم لا يكترثون كثيرا بغذائهم. فهم، إن كانوا يعرفون تحضير مؤنهم من اللحم والأسماك المجففة، التي يدخرونها في مخابئ لتبقى جامدة، فهم لا يوفرون مؤنهم للشتاء بكميات كافية، مما يجعلهم عرضة لمجاعات، تدفعهم في بعض الأحيان إلى أكل لحم البشر، وهي حالات ليست نادرة في فصل الشتاء، والنساء يؤكلن الأوائل. يعتقد الإسكيمو أن الشجاعة والمهارة هي أثمن من المؤن المدخرة، ويعرفون دائما كيف يخرجون من المحن، ولا يحتاطون إلا قليلا لما هو غير متوقع (كالأمراض، والعواصف العاتية)، فهم ضحية الثقة المفرطة في قدراتهم. إلا أن إسكيمو جرينلاند، الذين اختلطوا مع شعوب اسكندنافية، هم أكثر حداثة من غيرهم من مجتمعات المناخ القطبي، فقد عرفوا تجددا ديموغرافيا نتيجة اختلاطهم مع المستعمرين الدانمركيين، كما عرف اقتصادهم نموا مزدهرا. فالرجل الجرينلندي يمتهن صناعة صيد سمك، ويتمتع بكفاءة عالية في مهنته، كما أنه صاحب مبادرة. فهو يربي الأغنام، التي يشكل سمك المورو جزء من غذائها، لتصديرها. إلا أن التقلبات المناخية تقلص في بعض الأحيان من وفرة المورو وتعرض تربية الأغنام للخطر. لقد عانت جرينلاند في شتاء 1966 — 1967 من برد شديد، ترتب عنه تدحرج الكتل الجليدية العملاقة نحو الجنوب، وتبعها تدحرج عجول البحر والدببة البيضاء، التي أتلفت قطعان الغنم. هذه بعض الملامح من تلك البيئة الباردة المليئة بالمظاهر المختلفة من طرق وتنوع الحياة.