18 سبتمبر 2025

تسجيل

هنيئا للجزيرة في عيدها السادس عشر

29 يونيو 2011

تحيي قناة الجزيرة هذه الأيام ذكرى تأسيسها السادسة عشرة وقد تحولت مع الأحداث إلى ظاهرة حضارية أكثر من كونها ظاهرة إعلامية أو سياسية فتغير بفضل نقلها الذكي والموضوعي للحقائق ذلك المشهد العربي البائس لتتفجر عبقرية الأمة وتشارك الشعوب في حركة التاريخ. وأذكر عندما بدأ البث التجريبي لقناة الجزيرة في قطر عام 1996 كنت أستاذا مشاركا للإعلام في جامعة قطر، وبالطبع مثل غيري من أصحاب الهم الإعلامي اهتممت عن كثب بهذه القناة الوليدة، خاصة وقد أعادت لي شخصيا بعض الزملاء والأصدقاء الذين فرق الدهر بيني وبينهم مثل الأخ الفاضل محمد كريشان والزميلة القديرة ليلى الشايب، حين عادوا من مغامرة البي بي سي العربية برصيد مهني احترافي ثري جمع في سنوات لندن بين الاستقلالية عن الإملاء والخبرة العالمية العالية. وجاء معهم فريق إعلامي رفيع المستوى يضم مؤسسي البي بي سي العربية أمثال سامي حداد وجميل عازر وفيصل القاسم وأحمد الشيخ وحسن إبراهيم وجمال ريان وأحمد الشولي رحمه الله (الذي لا أفشي سرا إذا قلت إنه صاحب أضخم مذكرة أرقام هاتفية للمسؤولين وأصحاب القرار والمحللين السياسيين في العالم) وصلاح نجم وغيرهم، لم يلبث أن انضم إليهم جمع طيب من الشباب الإعلاميين ذوي الإسهامات الطويلة في المجال الاتصالي أمثال مديرها العام الحالي وضاح خنفر وأحمد منصور وغسان بن جدو وماهر عبد الله وهويدا طه وتيسير علوني وكثيرين قد أكون ظلمتهم عندما لم أذكر أسماءهم. وإلى هذه النخبة انضم شباب قطري مؤهل مثل مديرها الأول محمد جاسم العلي والمخرج جاسم المطوع، وتشرفت شخصيا ومعي كل الزملاء بقسم الإعلام بالجامعة بأن زودنا القناة بخيرة خريجينا من الطلبة والطالبات القطريين والعرب الذين دربناهم في مختلف أقسامها ثم عملوا في القناة، وللعلم فالشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس الإدارة والدينامو الحقيقي لقناة الجزيرة هو أيضا من أفضل من تخرج من الدراسات الإعلامية بكلية الإنسانيات بقطر. ولكن لم تكن الجزيرة لتؤسس لولا الإرادة السياسية الذكية والجريئة لأمير البلاد الذي تحمل برحابة صدر بعض الانتقادات من قبل بعض المدعوين للحديث في برامج الجزيرة الحوارية. وقد تشرفت عام 2000 بتعييني عضوا ضمن لجنة خبراء عرب لتقييم أداء القناة إلى جانب زملاء محترمين مثل الكاتب والمفكر السعودي / تركي الحمد، وأذكر أننا اتفقنا بعد أربع سنوات من بث الجزيرة حينذاك بأن رفع سقف الحرية الإعلامية أحدث نقلة نوعية في الإعلام العربي، بالرغم من بعض صعوباته العادية. وقد عايشت الكثير من تعاطي فريق الجزيرة مع أخطر الأحداث العالمية التي قلبت موازين الدنيا رأسا على عقب ورأيت كيف تتحول " علبة الكبريت الصغيرة " في لحظات إلى مختبر حساس لمعالجة قضايا ساخنة وملفات متفجرة مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حين كنت أنا المعلق الرئيسي في الأستوديو الوحيد المباشر آنذاك وعلى مدى ثلاث ساعات كاملة كان وجه العالم بأسره يتغير فيها وتتبدل ملامح الخرائط وتتسارع الأنباء التي فجرت استقرار الدنيا مع تفجير برجي التجارة العالميين.. وأذكر أن قنوات العالم وبخاصة السي إن إن نقلت أجزاء من هذه المداخلة العفوية ورأيت وجهي على شاشة السي إن إن لأول ولآخر مرة. كما أذكر أنني كنت على الهواء يوم التاسع من أبريل 2003 يوم إسقاط تمثال المرحوم صدام حسين أعلق على هذا الحدث العربي، حين بادرتني الزميلة ليلى الشايب بقولها: ها...دكتور..انتهت الحرب اليوم؟ فأجبتها بسرعة: " لا، فالحرب بدأت اليوم، الذي انتهى هو القصف ونظام البعث ". ومهما كانت الانتقادات الموجهة إلى القناة فهي فتحت طريق المزاحمة والندية مع القنوات التي درجنا على تسميتها بالعالمية وهي في الواقع غربية تخدم مصالح الدول التي نشأت فيها، واكتسبت أشواطا بعيدة في الحضور الدولي والمبادرة والسبق في عالم أصبح يعتمد على السرعة الضوئية في اقتناص الأخبار وعلى التألق في تغطيتها والتفرد في الوصول إلى قلب الحدث وصانعيه. ولا غرو أن نرى اليوم أغلب القنوات الفضائية العربية تتنافس في تقديم الأفضل والأهم والأنجع في مجالات نقل الخبر وعلى صعيد البرامج الحوارية، وقد تطورت عديد القنوات بصورة لافتة منها على سبيل المثال العربية وأبو ظبي ودبي وقناة سلطنة عمان والمصرية والقائمة ستطول على ضوء التحولات الحضارية الكبرى التي صنعتها الثورات وشيوع مستحقات العولمة وارتفاع مستوى الرأي العام العربي الذي أصبح أدق وعيا بما يحدث حوله في وطنه وفي العالم وأشد اطلاعا بفضل وسائل الاتصال الآنية على كل ما يجري في الدنيا الواسعة فهنيئا للعرب جميعا بعيد الجزيرة والشكر الصادق من القلب لكل من وضع فيها لبنة.