13 سبتمبر 2025

تسجيل

ففِرُّوا إلى الله

29 مايو 2019

ليس هناك أجمل من أن يفرَّ المسلم إلى ربه ومولاه لا سيما في هذه الأيام المباركة، فالفرار منزلة الصادقين المخبتين الذين يعشقون الهروب إلى ربهم في كل وقت، فحقيقة الفرار هي الهروب من شيءٍ إلى شيء، من شيءٍ مخيف إلى شيءٍ آمنٍ، من شيءٍ مزعج إلى شيءٍ مُطَمْئِن. وهكذا هو حال المؤمن الذي يفرُّ إلى ربه ليجد عنده الراحة والأمن والأمان والطمأنينة والسلام. والفرار نوعان: فرار السعداء، وفرار الأشقياء. فرار السعداء إلى الله عزَّ وجل، وفرار الأشقياء فرارٌ منه لا إليه، فرارٌ منه إلى الدنيا، إلى المعاصي. وفرار السُّعداء فرارٌ من الدنيا إلى الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [سورة الذاريات الآية: 50]. قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: أي فِرُّوا منه إليه، من عقابه إلى جنَّته، من معصيته إلى طاعته، فروا مما سوى الله إلى الله، فروا من الأغيار إلى الله، فِرُّوا من الشُّركاء إلى الله. وقال آخرون: اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة، عملية فرار من شيء مخيف إلى شيء سعيد. فالفرار منزلةٌ من منازل السالكين إلى الله عزَّ وجل. وهناك معنى آخر للفرار: فرارٌ من الجهل إلى العلم مثابرةً وسعيًا، ومن الكسل إلى النشاط جِدًّا وعَزمًا، ومن الضيق إلى السَّعَةِ ثقةً ورجاءً فيما عند الله من الخير العظيم؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((شَمِّروا فإنَّ الأَمْرَ جدٌّ)). فشَمِّروا هذه منزلة الفرار، ومن أمثلة الفرار: «تأهَّبوا فإن السفر قريب». «تزوَّدوا فإن السفر بعيد». «أخلصوا النية فإن الناقدَ بصيرٌ». «أكْثِروا الزادَ فإن المسافةَ بعيدة». فلنبادر أيها المسلمون بالفرار إلى الله في هذا الشهر الكريم؛ فإن من رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا علم مِن عبده صِدقَ الفرار إليه أعانه ووفَّقه ولم يتركه وحده. ولنتدبر قولَ الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٩]. ويقول عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)). فاللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، واجعلنا من الفارِّين التائبين العائدين إليك في كل وقت وحين.