30 أكتوبر 2025
تسجيلإن من أعظم نعم الله على عبده المؤمن، أن يجتهد في عبادة ربه، في كل باب من أبواب الخير: الصلاة، والصيام، والزكاة، والصدقة، والحج، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذكر، وصلة الرحم، وتلاوة القرآن، وقيام الليل، والاعتكاف، وبخاصة في الأوقات الفاضلة، مثل هذا الشهر المبارك شهر "رمضان" لتجتمع له فضائل الأعمال، وينال من ربه تعالى رضاه وثوابه الجزيل. فالفرصة إذا فاتت منك وتفلتت من بين يديك في غير عمل صالح فستندم ندمًا لا ينقطع، ولقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى أن الذي لا ينتهز فرصة الحياة ولا يغتنم أوقات النفحات ستصيبه الحسرات ولا ينفعه الندم قال تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ولقد حثنا ربنا سبحانه وتعالى في آيات عدة من القرآن على انتهاز الأوقات في الأعمال الصالحات، قال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وهذه دعوة إلى انتهاز الفرص المواتية لفعل الخير وللتقرب من الله تعالى، فهذا كفيل بأن تدرك حاجتك وتحقق هدفك. ولقد وجهنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى انتهاز الفرص التي تكون سببا في السعادة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ». أخي الكريم هيا اغتنم رمضان قبل رمضان، هل أنت تدري أتكون نهايتك في هذا العام أم لا؟ هل أنت تعلم أنك ستحضر رمضان العام القادم؟! ما علم أحد أين ومتى ينتهي به العمر؛ لذلك أخي الكريم بادر قبل الفوات، رمضان شهر العبادة يُهيئ لك الله سبل التشجيع والتقوية على العبادة ويفتح لك أبواب الجنة ويغلق عنك أبواب الجحيم، ويسلسل لك الشياطين، ويقول لك اعمل الخير فأجزيك به الضعف، كرم ما بعده كرم. احذر أن تقابل ذلك الكرم باللهو والغفلة وتفلت الأوقات منك احذر فتكون من الخاسرين، الذين خسروا دنياهم وأخراهم. بادرْ أخي بكل عمل فيه خير، صَلِّ حتى تتورم قدماك، تصدق بكل ما معك، شارك الناس وفك الكربات، وارحم الضعيف، وساعد الكبير وكن في عونه، أغِثِ الملهوفَ، واسعَ في قضاء حوائج الناس. ترقب الفرصة وانتهزها واحرص على الاستفادة الكاملة منها، فالسلف لم يكونوا يعرفون ما يتداوله الناس الآن من "قتل الوقت" و"إضاعة الزمن" فقد قرأوا قول الله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) ومعناها بصورة عامة أنك إذا انتهيت من أي أعمالك فأقبل على عمل آخر حتى تكون كل أوقاتك عامرة بالأعمال النافعة لك ولأهلك ولبلدك، فإذا فرغت من دنياك فأقبل على آخرتك واعمل على رضا ربك. فإن كان رمضان السابق وما قبله قد ضاعوا منك وتفلتوا فلا تترك رمضان هذا ليضيع، وانهض وبادر فإن الأعمار متسابقة على القبور لا فرق بين شاب وعجوز، أصبحنا نسمع عن وفاة تلو وفاة، كل يوم يسقط من معارفنا وأهلينا واحد، فربما كنتَ أنت الساقط في المرة القادمة. فنريد أن نجعل من رمضان هذا فرصة للتوبة من كل معصية، ونجعله تدريبًا عمليًّا نحسن فيه من كل أمورنا، فنغتنم فيه الفرصة بالإقبال على الطاعة، وهدوء النفس، واجتناب الشيطان. فإن كنت تفعل معصية معينة أو ذنبًا تعرفه بينك وبين نفسك، فبادر بالتوبة منه، واعزم على ألا تعود إليه مرة أخرى، واجعل رمضان محطة التخلص من الذنوب والإلقاء بها حيث لا رجوع لها مرة أخرى. إنها فرصة عظيمة أن تتخلص من ذنوبك بين يدي الله، وتتذلل له وتبكي على ما قد فاتك من الأيام، فتخرج من رمضان وقد بدل الله سيئاتك حسناتٍ، بل وضاعف لك الحسنات فتخرج من رمضان رابحًا ربحًا وفيرًا. وإن كنتَ مقصِّرًا في فرض من الفروض، أو تعاني من التذبذب في الطاعات، أو تُقصِّر في الصلوات على أوقاتها، فاجعل تدريبك ومِرَانَك في هذا الشهر الكريم على الالتزام وأداء الصلوات على أوقاتها. وإن كنتَ ممكن لا يقتربون من سنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- فتدرب على أن تطبق سنته وأنت متقوٍّ على العبادة، فإذا انقضى رمضان طَبَّقت السنن في يُسر وسهولة. وإذا بادرك الأجل بنهايته، فلك أجر النية التي نويت بها الخير وفعله والالتزام على الصالحات من كل عمل وقول.