15 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن الفكر التكفيري الذي يقود إلى التطرف والإرهاب، خسارته العسكرية حتمية لا شك في ذلك ولا تحتاج إلى استقصاء، وهذا تحقق في دول عديدة في العقود الماضية، ويعلمنا التاريخ أن التطرف والغلو، لم يكسب شيئًا من أفعاله ومن أفكاره، عند استخدامه العنف لتحقيق أهدافه، لكن الإشكالية في عودته بصورة ملفتة في السنوات الماضية في دول عديدة، وتمدد في أنصاره ومؤيديه إلى أوروبا وآسيا، وهذا مما يجعل أهمية المواجهة الفكرية ضرورية ولازمة لصد الفكر بالفكر، وأتذكر عندما كنت أدرس في المرحلة الجامعية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي في مصر الكنانة، وبعد فترة حادث اغتيال المرحوم الرئيس السادات 1981، كنا نتابع في التلفزيون المصري، الحوارات التي يجريها كبار علماء الأزهر، مع الجماعات التي تسمى بجماعة الجهاد، والجماعة الإسلامية، التي اتهمت باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في حادث المنصة الشهير، وقامت بالكثير من الأعمال الإرهابية أثناء وبعد هذا الحادث، واغتالت الكثير من الأبرياء من السياح وغيرهم، بينهم أستاذنا رحمه الله د. رفعت المحجوب، وحققت هذه الحوارات نجاحا باهرًا، وانتهت برجوع العدد الأكبر من قياداتهم وأتباعهم، عن أفكارهم العنيفة والمتطرفة، بل وذهبت بعض هذه القيادات إلى أسرة المرحوم أنور السادات، للاعتذار والندم على ذلك الاغتيال غير المبرر، وجاءت هذا المواقف في مؤلفات عديدة لقيادات هذه الجماعات، سمّيت بـ(بالمراجعات)، فالحوار يكون بتقديم الحجج للمغرر بهم، والذين لا يملكون حقائق الدين الصحيح، فإن مواجهة الفكر بالفكر، مهمة ومؤثرة لتغيير الأفكار الخاطئة، وهذا ما تحقق في النهاية، ولذلك فإن المواجهة الفكرية لابد منها، لأن العنف الفكري هو الذي يقود إلى السلوك المادي، ولهذا فإن الفكر هو المنطلق إلى الأفكار العنيفة المتطرفة. فلا يكفي أن نستخدم المواجهة العسكرية في مقابل التطرف، فقد حصل التراجع للعنف والتطرف في السنوات المنصرمة بفعل المواجهة العسكرية، لكنه عاد أقوى مما كان عليه، فقد يضعف في مكان، لكنه يظهر في أماكن أخرى أكثر شراسة، ويختفي فترة، وسرعان ما يعشش في مدن وقرى قريبة، لكن الفكر العنيف يتغذى ويعشش ويقتات، على بعض الأخطاء والممارسات، ففي العراق، بعد سقوط النظام السابق عام2003، أقدم النظام الجديد، على ما ُسمي قانون بـ(اجتثاث البعث)، ومن خلال هذا القانون، تم تسريح عشرات آلاف من الضباط والجنود العراقيين، ومنهم آلاف من المدنيين أيضًا، بحجة انتمائهم لهذا الحزب، وهذا من أكبر الأخطاء الذي قام بها هذا النظام، ويعاني منه العراق معاناة كبيرة وخطيرة، فتسريح هؤلاء من وظائفهم المدنية والعسكرية، يعني كأنك حكمت عليهم بالإعدام، وهذا خطيئة كبيرة وتطرف في الحكمة والسياسة، وهذا ما ظهر أخيرًا من المتابعين والمحللين، أن آلافا من الجيش العراقي الذي تم تسريحهم، انضموا إلى داعش، ولذلك هذا يؤكد ما تقوله القاعدة الفيزيائية (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه)، وكما هو معروف، عندما تغلق الباب على القط، وتحاول أن تهاجمه، سوف يهاجمك وبشراسة كبيرة، ولا تستطيع رده، وهذا للأسف ما يعانيه العراق من التوغل الكبير لداعش للعديد من المدن العراقية، بعد السيطرة عليها من قبل داعش، والآن فإن استعادة هذه المدن، سوف تكلّف الكثير من الجيش العراقي، ومن السكان الآمنين في هذه المدن، وهذا من أسباب طرد أو اجتثاث عشرات الألوف من العراقيين من وظائفهم، كما أن الوضع في سوريا أيضًا نفس السياسات الخاطئة، فلو أن النظام قام بتعديل بعض السياسات، وعدّل بعض الأفكار، عندما قامت المظاهرات، فإن الوضع لم يكن سيصل لما وصل إليه، ولما استغل بعض المتطرفين الظروف القائمة في سوريا، وبعضهم كما يقال كانوا في السجون، وأطلقهم النظام لخلط الأوراق السياسية، لتعميم تهمة التطرف والتكفير على الجميع. فأفضل الحلول وأنجعها أن يتم جر البساط من تحت فكر التطرف والغلو، أن يتحقق العدل ورد الحقوق، وتأسيس مواطنة التي لا تقصي أحدًا، ولا تفرق بين المواطنين، لأن هذا الفكر المتطرف يستغل بعض الأخطاء والسلبيات، ويروّج لفكره لبذر التضليل والعنف والتطرف، وهذا ما حصل في بعض الدول العربية، التي تعاني من التطرف والتكفير والإرهاب ولا تزال.