11 سبتمبر 2025
تسجيل"يجب أن تكون القسطنطينية لكم".. هذا ما قاله الملك البريطاني جورج الخامس عندما استقبل سفير روسيا في 12 نوفمبر 1914، وبعد يومين أعلن السفير البريطاني في روسيا أنه "يجب حل مسالة المضائق التركية ومسألة القسطنطينية وفق رغبات روسيا". وفي الحادي والعشرين من الشهر نفسه ناقش قيصر روسيا مع سفير فرنسا مسألة طرد الأتراك من أوروبا، وأن تصبح القسطنطينية "محايدة ونظامها دولي". من جانبه ذكر السفير الفرنسي القيصر بأن "فرنسا تمتلك في سوريا وفلسطين إرثا ثمينا من الذكريات التاريخية والمصالح المادية"، وفي الشهر نفسه بدأت المحادثات الفرنسية الإنجليزية. وبعد ذلك عقدت محادثات أخرى لمناقشة مستقبل "الشرق الأوسط" في باريس في 30 و31 ديسمبر بحضور مفوض مصر السامي البريطاني السير "ماك ماهون".وفي 9 أبريل 1915 وافقت الحكومة الفرنسية على المطالب الروسية بشأن القسطنطينية والمضائق، شرط أن "تحقق فرنسا وبريطانيا العظمى مشاريعهما في الشرق الأوسط وغيرهما". وفي الجهة الأخرى كانت بريطانيا تلعب على العرب، فقد وعد المفوض البريطاني السامي في مصر ماك ماهون الشريف حسين "باستقلال الجزيرة العربية وبخلافة عربية" وجعل مسألة الحدود "غامضة". وعندما أصر الشريف حسين على تعيين الحدود جعل الأمور أكثر غموضا بحجة أن الوقت غير مناسب للخوض في التفاصيل بسبب الحرب، وتجنب ماك ماهون ذكر اسم فلسطين في مراسلاته نهائيا مع الشريف حسين الذي كان يصر أن تكون القدس تابعة لمملكته، ولذلك لم يكن هناك تفاهم بين الرجلين على هذا الموضوع. في 2 نوفمبر 1915 أسر السير ماك ماهون إلى وزير فرنسا في القاهرة دو فرانس بأن الألمان حاولوا عبثا إغراء القبائل العربية بالذهب وبوعود الاستقلال. ورد الانجليز على ذلك بقطع وعود "عامة" للعرب في موضوع ضمان الاستقلال الذي يطالبون به". وهكذا اعتقد الانجليز أنه من الذكاء الرد على التهديد الألماني–التركي للطرق البرية والبحرية لشبه الجزيرة الهندية بتشجيع الثورة العربية ضد العثمانيين وبخاصة ثورة شريف مكة. وحفظت اتفاقيات مارس وأبريل 1915 بلاد ما بين النهرين لإنجلترا واحتفظت فرنسا بسوريا وكليكيا التركية. واصطدمت مطالب الشريف حسين بصعوبات خطيرة فيما بعد بسبب الوعود البريطانية المتضاربة.هذه مجرد مقتطفات عن كيفية إدارة المؤامرة الكبرى بين بريطانيا وفرنسا وروسيا لتقسيم الأرض العربية ومعها إسطنبول ومضيق البسفور وأجزاء من تركيا، اقتطفتها من كتاب "فرنسا والمأساة الفلسطينية.. دراسة تاريخية 1914-1922" للمؤلف الفرنسي فيليب بريفوست، والذي قامت بترجمته سمارة شاتيلا وصدر عن دار النفائس عام 2010. وهو كتاب مهم يؤرخ لمرحلة صناعة وتكوين وتشكيل المؤامرة التي أدت إلى توقيع اتفاقيات سايكس – بيكو قبل 100 عام، وهي التي حطمت وقسمت العالم العربي ودمرته ولا تزال تدمره حتى الآن.