18 سبتمبر 2025

تسجيل

التجييش الطائفي وحتمية الفشل

29 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في وقت يحذر فيه العقلاء في المنطقة من مآلات الصراع الطائفي في المنطقة برمتها، تُصر إيران المعزولة والقوى السياسية العربية التي تدور في فلكها (بشار ونصرالله والحكومة العراقية) على التجييش الطائفي السلبي الذي من شأنه أن يضعف من فرص إنضاج المناخات المناسبة لحلول سلمية باتت مطلوبة لحقن مزيد من دماء الأبرياء.فاستحضار كربلاء من خلال شعار طائفي "لبيك يا حسين" يبرهن للمرة الألف أن إيران توظف جزءا من الشيعة العرب لرسم خطوط صراع على أسس طائفية تسمح لإيران بتوسيع نفوذها وتأثيرها، فإيران تسعى من خلال ذلك إلى إبقاء دول المنطقة ضعيفة ومنهمكة في صراعات داخلية حتى تبدو القوة الأهم في الإقليم الأمر الذي يُمكنها من الحصول على ريع إستراتيجي (Strategic Rent) من خلال العمل مع القوى الغربية لإدارة الإقليم في حال أدارت الولايات المتحدة ظهرها بالكامل عن الإقليم. ولتحقيق كل ذلك تحاول إيران من خلال وكلائها في المنطقة تقديم رواية خارجة عن سياقها الطبيعي تقدم فيها داعش كوجه متطرف للسنة، في حين يعلم القاصي والداني أن أغلب ضحايا داعش هم من العرب السنة وأن إيران ونظام بشار يستفيدان من التطرف الداعشي لتأجيل استحقاق التخلص من النظام السوري الذي لا يمكن إعادة تأهيله أو تسويقه بعد أربعة أعوام من المجازر ضد الشعب السوري.ولا تقف الرواية الطائفية التي تتبناها إيران وحلفائها عند حد التهويل من خطر "السنة" المتطرفين بل أن الإعلام التابع لهذه المقاربة والذي يعكس الموقف الحقيقي لهذه القوى الطائفية يرى بأن العدو رقم واحد هو أي جهة تقف أمام التوسع الإيراني إذ لا نكاد نسمع شيئا عن إسرائيل التي ما زالت تحتل مزارع شبعا، وكأن طهران وأعوانها استبدلوا الخطر الصهيوني بالخطر "السني". وظهر ذلك جليا في خطاب حسن نصرالله الأخير والذي جاء بلغة استفزازية تعكس مدى التأزم الذي تمر به إيران وحلفاؤها في المنطقة. فخطاب نصرالله الذي صادف مناسبة مرور خمسة عشر عاما على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان جاء متناقضا وموتورا. فقد برر حسن نصرالله تدخل حزبه بالحرب الدائرة في سوريا واتهم الثورة السورية والدول الداعمة لها بأنه تضعف من محور المقاومة وتخدم بذلك إسرائيل في حين أن هذا المحور لم يعد يأبه بإسرائيل وقتل من العرب السنة تحديدا عشرات الأضعاف مما قتلته إسرائيل من العرب في كافة حروبها! ويرفع الحزب عنوان الحرب على داعش – في غزل واضح للولايات المتحدة – في حين أن مسرح القتال لقوات حزب الله لم يكن فيها داعش ولو لمرة واحدة، وهذا الأمر يثير كثيرا من الشكوك حول المستفيد الأول من وجود داعش أو حول هوية من عمل على تغذية وجود هذا التنظيم الإرهابي.لم يعد هناك مجالا لإنكار أن حزب الله يعمل وفق ترتيب مسبق مع إيران وأنه يخوض حربا لا علاقة لها بإسرائيل وأنه في واقع الأمر ساهم وبقوة بتحويل الثورة السورية المشروعة للاستقلال والتخلص من الاستبداد إلى حرب طائفية بين الشيعة والسنة. ويظهر ذلك بشكل جلي في موقف محور طهران من تسليح العشائر السنية في العراق، إذ يصر هذا المحور على أن تسليح سنة العراق إنما يفضي إلى تقسيم العراق، وتتجلى المفارقة بأبشع صورها عندما يتم تسليح ميليشيات شيعية ارتكبت كل صنوف الجرائم في مناطق السنة بحجة التخلص من داعش.طبعا لا ينبغي أن يُفهم من هذه السطور أن المعركة ضد التدخل الإيراني يجب أن تأخذ شكلا طائفيا! بل على العكس من ذلك فالحل الوحيد الذي يضمن التعايش المجتمعي والسلمي في كل دولة يتطلب وحدة وطنية في هذه الدول العربية وهذا يستلزم أن تتبنى الدولة خطابا مختلفا بحيث تكون دولة لكل مواطنيها وليست لمكوّن على حساب الآخر. فالسبب الرئيسي في نمو ظاهرة الطائفية والمذهبية هو فشل المصالحة السياسية بين مكونات المجتمع الواحد، فالمجتمعات العربية ليست أحادية التكوين، ففي كل دولة هناك تنوع اثني أو مذهبي، وهنا لسنا بحاجة إلى اختراع العجلة من جديد، فالديمقراطية الحقيقية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الأقليات والمرأة هي من يخلق الإطار المناسب لدولة حديثة يتعايش فيها الناس بسلام.ونظرة سريعة إلى ما يجري حولنا في العالم يساعد على فك لغز تعثر الدولة العربية، فالدول التي اختارت أنظمة ديمقراطية تمكنت من التعامل مع التنوع المجتمعي بل وأصبح هذا التنوع مصدر إثراء وقوة، في حين أن الدول الشمولية أو المستبدة التي تحولت إلى آلية لسيطرة هوية اثنية أو مذهبية على غيرها انهارت.بالمحصلة، أعتقد أن استحضار كربلاء والتجييش الطائفي وكل هذه الممارسات الطائفية لن تجد نفعا، فالقضية أبعد من وجود طرف منتصر وآخر مهزوم، فحتى لو انتصر طرف على آخر فهذا لن يضع حدا للتوتر ولا يضمن عدم اندلاع العنف مرة أخرى في قادم الأيام، وعلينا التنويه هنا بأن الشيعة العرب الذين توظفهم إيران لن يربحوا شيئا في المستقبل إن لم يستنبطوا جيدا أن مستقبلهم لا يمكن ضمانه إلا بالتعايش مع الغالبية السنية، لهذا علينا أن نتذكر دائما أن أجندات إيران هي قومية بامتياز، وما التقارب مع بعض الشيعة العرب إلا لتوظيفهم لضرب الدول العربية وإضعافها ومنعها من ممارسة مسؤولياتها التاريخية في الإقليم.