15 سبتمبر 2025
تسجيلتحولت الولايات المتحدة في الربع الأول من العام إلى مصدر للوقود أحدثت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الكثير من التغيير في التوجهات السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في السنتين الماضيتين، مما يوحي بأن مثل هذه السياسات وضعت، كتوجهات إستراتيجية ضمن دولة المؤسسات لتأخذ الإدارة الأمريكية الجديدة على عاتقها تنفيذ هذه السياسات التي تستجيب لمصالح واشنطن في ظل المتغيرات العالمية المستجدة. وتقف مسألة ضمان أمن الطاقة والابتعاد عن نفط الخليج والشرق الأوسط بشكل عام على رأس أولويات إستراتيجية الطاقة للولايات المتحدة، إذ يبدو أنها حققت نجاحا مهما في هذا المجال وفق التطورات النفطية والسياسية الأخيرة في المنطقة. وضمن هذا النجاح تأتي مسألة عودة شركات النفط الأمريكية بقوة لصناعة النفط العراقية، وذلك منذ إزاحتها عن هذا القطاع المهم في سبعينيات القرن الماضي، حيث يملك العراق ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي يتم فيه التحضير لعودة مماثلة لصناعة النفط الليبية، مما يعني التحكم في موارد نفطية هائلة ستضمن إمدادات مضمونة لسنوات طويلة قادمة. وفي الوقت نفسه وقعت الولايات المتحدة اتفاقيات نفطية مع بعض البلدان في أمريكا الجنوبية والوسطى للحصول على واردات أكبر من النفط من هذه البلدان، وذلك رغم محاولات واشنطن للتخفيف من حصة النفط في ميزان الطاقة لديها من خلال تطوير مصادر الطاقة البديلة من جهة وتخفيض الاستهلاك من جهة أخرى. ونتيجة لهذه السياسة المزدوجة تحولت الولايات المتحدة في الربع الأول من العام الجاري 2011 إلى مصدر للوقود والمشتقات النفطية، وذلك لأول مرة منذ سنوات طويلة، حيث ارتفعت صادرات الوقود بنسبة 24.4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي ليصل إجمالي الصادرات إلى 2.49 مليون برميل يوميا، في حين انخفضت الواردات من الوقود والمشتقات بنسبة 14.4% إلى 2.16 مليون برميل يوميا. وعلى الرغم من أن استهلاك الوقود قد ارتفع في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة، إلا أنه يبقى أقل من معدلات ما قبل الأزمة، حيث يعتبر تحول الولايات المتحدة لمصدر للمنتجات النفطية، بما فيها الديزل تحولا دراماتيكيا في دولة هي الأولى في استهلاك النفط في العالم، حيث تستهلك أكثر من 22% من الاستهلاك العالمي من النفط. في المقابل ينتهج الاتحاد الأوروبي سياسة مماثلة في مجال الطاقة، وذلك رغم تفاوت القدرات والإمكانات المتاحة للجانبين الأمريكي والأوروبي، إلا أنه من الملاحظ أن هناك تنسيقا قويا بين الجانبين، وبالأخص في منطقة الخليج والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ولم يستثن واضعو إستراتيجية الطاقة الأمريكية ازدياد "عطش" البلدان الناشئة، وبالأخص الصين والهند للنفط والغاز، حيث يدخل ذلك فيما يمكن تسميته بالإدارة الأمريكية لشؤون الطاقة في العالم، والتي لا تقتصر على ضمان إمدادات الطاقة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين فحسب، وإنما التحكم في مسارات الطاقة العالمية والتي يشكل النفط عمادها الرئيسي. وإذا كانت البرازيل، وهي أحد البلدان الناشئة الرئيسية ستجد نفسها قريبا في غنى عن النفط المستورد بسبب الاحتياطات الكبيرة المكتشفة هناك حديثا، فإن كلا من الصين والهند سوف يزداد اعتماد نمو اقتصادهما المستقبلي على النفط المستورد من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتشبه حالهما ولو بصورة أقل بالنسبة للصين حال اليابان بعد الحرب العالمية الثانية والتي حققت معجزتها الاقتصادية رغم افتقارها لمصادر الطاقة بالاعتماد شبه التام على النفط المستورد، خصوصا من منطقة الخليج العربي. من هنا تكتسب إستراتيجية الطاقة لإدارة أوباما أهميتها، إذ إنها تدخل في صلب الصراع الاقتصادي القادم ضمن ثلاثة توجهات رئيسية، " الابتعاد والتنويع والتحكم " في شؤون الطاقة الدولية، فالابتعاد يقصد منه أساسا تقليل الاعتماد على نفط الخليج والشرق الأوسط، أما التنويع، فإنه يخص استخدامات الطاقة البديلة في الغرب، ثم يأتي التحكم في إمدادات الطاقة عالميا وتسخيرها لخدمة مصالحهما في المنافسات الاقتصادية القادمة، وبالأخص مع البلدان الناشئة والتي حققت في السنوات القليلة الماضية تقدما اقتصاديا مذهلا. لذلك، فإن منطقة الخليج ستحتل المزيد من الأهمية في الصراعات الدائرة حول مصادر الطاقة، والتي سوف تشتد بسبب دخول قوى جديدة وناشئة وقريبة جغرافيا ويملك بعضها جاليات كبيرة في البلدان المصدرة للنفط والتي تملك في الوقت نفسه رؤيتها وإستراتيجيتها للطاقة، حالها في ذلك حال الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي.