19 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن استقرت أوضاع دولة قطر السياسية وتدعمت نهضتها الصناعية وتعزز حضورها الدبلوماسي وتطورت بنيتها التحتية وتأكدت نجاحاتها الاقتصادية والتربوية والرياضية والثقافية بدأ الاهتمام الموفق بتعميق وتأصيل الشراكة مع القارة السمراء الصاعدة على جميع الأصعدة، وجاءت الزيارة الرسمية التي قام بها صاحب السمو أمير البلاد إلى عدد من دولها لتركز قواعد شراكة ناجعة لا تهدف إلى كسب أنصار ولا إلى خلق محاور كما هو شأن دول إقليمية أخرى بل إلى إسناد مجهود عظيم في التنمية والتقدم والديمقراطية حققته بلدان أفريقية كانت إلى سنوات قليلة مضت تتخبط في الديون والأزمات المسلحة وحتى الحروب الأهلية فضربت مثل التحدي الأكبر وتحولت إلى ما يسمى (النمور الأفريقية) في ظرف سنوات قليلة وأسطع مثال على ما نقول دولة رواندا التي افتتح بها حضرة صاحب السمو جولته الأفريقية الثانية حيث أنجزت حكومتها ما يشبه المعجزة في أعقاب حرب أهلية قتلت الملايين من أبناء قبائلها ثم هي اليوم تتمتع بنسبة نمو مستقرة 7% سنوياً وبعاصمة (كيغالي) تعد مضرب الأمثال في بناء الأبراج ونظافة الشوارع وتشغيل شبابها ثم إن القارة السمراء منذ الأزل تعتبر أرض المناجم والمواد الطبيعية الخام النادرة والأدغال والبحيرات والأنهار التي تتنفس بها الأرض ومخزون الطبيعة المستدام لكن الاستعمار الأبيض الأوروبي حل بها منذ قرون متعاقبة فاستعبد أهلها وهجر طاقاتها البشرية والطبيعية واستنفد خيراتها ثم تحررت دولها الناشئة منذ ستينيات القرن الماضي نصف تحرر لأن الاستعمار غير شكله وبدل أساليبه ونصب على رأس دولها مستبدين من أهلها تكفلوا بخدمة القوى الاستعمارية القديمة وواصلوا مشاريع النهب الى أن طلع جيل جديد من المثقفين الواعين فشرعوا يؤسسون دولهم على قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفرض سيادتهم على خيراتهم وهو ما طبع العلاقات الدولية الأفريقية بطابع المناعة والقوة والاستقلال، وجاءت الدبلوماسية القطرية بالشراكة الناعمة مع أغلب دول القارة بمشاريع استثمارية على مبدأ (رابح رابح) مما جعل أول قمة للاتحاد الأفريقي تصادف انعقادها مع فرض الحصار الجائر على قطر في يونية 2017 تتميز بالحياد وعدم الانجراف الى ما خططته دول الحصار من شراء الضمائر الأفريقية وتأليب القارة على قطر بترويج الأكاذيب وتلفيق التهم. وقام أمير قطر حفظه الله بجولته الأفريقية الأولى لترسيخ قيم العلاقات التشاركية مع دول أفريقية رائدة فزار السنغال ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وساحل العاج وغانا في جولة تميزت بعقد اتفاقيات متنوعة شملت الزراعة والصناعات وفتح مجالات التبادل التجاري باستثمارات قطرية واغتنام كفاءات بشرية أفريقية وجدت أمامها أبواب المشاريع القابلة للنمو والتوسع. ثم إن قطر تفطنت قبل سواها إلى ما تمثله أفريقيا من فضاء حيوي وعمق إستراتيجي للوطن العربي فكانت قطر رائدة في مد جسور العالم العربي نحو القارة السمراء بعد أن تعطلت القاطرة المصرية التي كان من المتوقع أن تقود العالم العربي نحو العمق الأفريقي كما كانت قبل التغرير بها منذ انحياز السيسي لمحور خليجي تزعم صفقة القرن وتحالف مع من يريد تصفية القضية الفلسطينية نهائياً لصالح المحتل! وبعد رواندا زار الأمير جمهورية نيجيريا الاتحادية وهي الدولة الأكبر حجما وإمكانيات في أفريقيا وحين نطلع على أدبيات الدبلوماسية الرواندية والنيجيرية ووسائل إعلام الدولتين نقرأ بفخر ما تكنه لقطر وأميرها ومواقف قيادات تلك الدول وشعوبها فقد كان الشعور السائد لديها أن قطر تجاوزت أزمة الحصار وقوت أسس نهضتها ومقومات اقتصادها وأصبحت الشريك الأمثل للدول الأفريقية من حيث تنوع استثماراتها وإنسانية مواقفها فهي الدولة الخليجية الرائدة في إشعاعها العلمي والأكاديمي والثقافي وهي الدولة التي تقاوم العنف والإرهاب لا بالشعارات ولكن بالمؤسسات التعليمية التي أنشأتها وبمشروع توفير المدرسة لعشرة ملايين طفل محروم من التعليم بسبب بؤر التوتر والحروب. عززت زيارة الأمير مسيرة تعاون وتشارك مع رواندا بعد أن زار رئيس رواندا السيد (كاغامي) الدوحة في نوفمبر الماضي ووقع الزعيمان معاهدات شراكة واعدة، كما التقى الزعيمان في ميونخ خلال مؤتمر الأمن وتوطدت أواصر التعاون بين الدولتين في قطاعات الزراعة والسياحة والتكنولوجيا فهي الدولة الرمز التي خرجت من حرب أهلية مدمرة إلى فضاء رحب من النمو والتقدم السريع بفضل قيادة ذكية وعقلانية جعلت من رواندا قبلة سياحية واستثمارية عالمية في ظرف عشرية واحدة، لعل القارة الأفريقية من خلال الزيارتين الناجحتين لصاحب السمو أمير البلاد ستكون الوجهة المستقبلية للقطريين المستثمرين حتى يفتحوا أبوابا غير التقليدية المعتادة ويستفيدوا كما يستفيد الأفارقة بالمعاهدات التشاركية القطرية الأفريقية لخوض غمار سلام حقيقي مبني على التعاون الحضاري ودفع عجلة التنمية التشاركية مع شعوب شابة متحفزة لتحقيق خطوات عملاقة مثلها مثل الشعب القطري الذي عرف كيف يرفع التحديات ويؤسس للغد القريب والبعيد.