16 سبتمبر 2025
تسجيلالدهاء الغربي عجيب لأن أعداء الأمة يريدون الربط بين عنف الجماعات المتطرفة و مبدأ وحدة المسلمين ، و نحن نتصدى للخلط المبرمج بين الإرهاب و بين عقيدة توحيد الأمة كما أن النفاق الغربي عجيب لأنه يجمع معتنقي أديانه في خلافات عقيدية و يندد بكل نداء لتوحيد المسلمين في حين يتكلم أكبر خبراء أمريكا في استشرافهم للمستقبل فيقرون بعودة نوع جديد من الوحدة الإسلامية سنة 2020 ونحن طبعا مع إدانتنا لكل أشكال الإرهاب أولها الصهيوني باستشهاد 2500 فلسطيني مدني في غزة منذ شهور و الإرهاب الصليبي الذي قتل آلاف المسلمين في إفريقيا الوسطى و بورما و مع دعوتنا لإسلام التسامح والتعايش مع مختلف الأمم و أولوية حوار الحضارات ننشر هذه الاستشرافات للقراء العرب و المسلمين. نعتقد أن أغلب المسؤولين لا يقرأون التقارير التي تنشرها مركزية المخابرات الأمريكية (سي أي إي) سنويا والعجيب أن مهمة مستشاري حكوماتنا هي على أقل تقدير مد أصحاب القرار بهذه التقارير فهي تباع منشورة بكل اللغات (ماعدا العربية !) في العالم و أنا أثابر على مطالعتها منذ سنوات منشورة بالفرنسية من موقعي كأكاديمي مهتم بشؤون أمتي ! أغرب ما يلفت أنظار المراقبين لأحداث العالم الإسلامي ما بعد التحولات و الحروب الطائفية هو وقوع الأغلبية من النخب في فخ أعدائهم التاريخيين أي العنصريين والمحافظين الجدد و أدعياء صراع الحضارات فأصبح بعض العرب يتخذ مبدأ وحدة المسلمين هزءا مهما كان شكلها بينما أمر الله سبحانه بها حين قال عز من قائل (إنما المؤمنون إخوة) و (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)فالوحدة مطلب المسلمين جميعا في عالم شكل فيه المسيحيون ثلاث تكتلات أشبه بالخلافة (حسب تحليل صامويل هنتنجتن لا حسب رأيي أنا) الخلافة الكاثوليكية في الاتحاد الأوروبي والأنجليكانية في الولايات المتحدة و بريطانيا والأرثودكسية في اتحاد الجمهوريات الروسية! إلى جانب خلافتين عملاقتين على أساس ديني هما الكنفوشية في الصين والهندوسية في الهند و ما استفحال الاستبداد و القهر و انتشار التخلف و الفقر إلا بسبب التخلي عن مبدأ وحدة المسلمين و تمسك النخب المعادية للدين بالحداثة الدخيلة و التخلي عن الحداثة الأصيلة تحت شعارات مغلوطة منها الشعار الذي كان يرفعه المستغربون وهو التمسك بتقليد قشور مدنية الغرب المادية المائعة و ليس تقليد الغرب في قوة مؤسساته الدستورية واحترامه لحقوق الإنسان ! و نستعرض في هذا المقال ما جاء في تقرير علماء أمريكان من أكبر عقولهم يستشرفون مستقبل حضارة الإسلام في كتاب صدر في سبتمبر 2007 قبل منعرج المسلمين الراهن وقبل موجة صعود الحركات الإسلامية للحكم ثم فشلها الذريع فيه منذ 2011. في الصفحة 83 من التقرير الصادر عن مؤسسة (روبيرلافون) للنشر الباريسية بعنوان: كيف ترى المخابرات الأمريكية العالم عام 2020 ؟ نقرأ الفقرة التالية: "سوف يتمتع الإسلام السياسي من هنا إلى عام 2020 بانتشار واسع على الصعيد العالمي، ونتوقع أن ترتبط الحركات الإسلامية العرقية و الوطنية ببعضها البعض و تسعى ربما إلى تأسيس سلطة تتجاوز الحدود القومية هذا ما يتوقعه علماء أمريكيون و أشهرهم على الإطلاق عالم الاجتماع و أكبر خبراء استشراف المستقبل (ألفين توفلر) صاحب كتاب صدمة المستقبل و العالم (تيد غوردن) أكبر خبراء المشروع : ميلينيوم بروجكت الذي أنجزته منظمة الأمم المتحدة والعالم (جيم ديوار) من مؤسسة راند كوربوريشن و العالم (جاد ديفيس) المخطط لكل برامج شركة شال البترولية و غير هؤلاء من الأعلام الذين لا يشق لهم غبار في علوم استشراف المصير. و بالطبع فإن هذه الكوكبة من الأساتذة الجهابذة عملوا لمدة عامين لفائدة الوكالة المركزية للمخابرات بواشنطن و خرجوا بتقرير خطير و أكاديمي يرسم ملامح العالم بعد ست سنوات من اليوم من خلال المؤشرات التي بين أيديهم. و سبق أن أشرنا إلى التقرير المذكور بعجالة في بعض وسائل الإعلام العربية لكننا لا بد أن نتوقف عند نقاط نراها هامة جدا أو تستحق التركيز حتى نفيد الرأي العام العربي بهذا الصنف من الاستشراف السياسي الرفيع المؤسس على العلم لا على الرجم بالغيب. إن مبدأ الوحدة الإسلامية مبدأ مؤسِّس للأمة المسلمة و للحضارة الإسلامية منذ فجر النبوة بقيام دولة الخلافة الراشدة، و لعل كتاب الشيخ محمد عبده بعنوان (الوحدة الإسلامية) أفضل من جمع تلك القيم التي دعا إليها القرآن الكريم حتى تكون الأمة المسلمة أمة واحدة. و لكن لقائل أن يقول، كما كان الحال دائما بأن تاريخ المسلمين كان باستمرار تاريخا مليئا بالحروب و الانقلابات و انهيار الدول، و هذا قول نسمعه دائما و لكنه قول مردود لأن تاريخ الحضارة الإسلامية التي أنارت الدنيا بالعلوم و الفكر و السماحة لا يجوز أن نختصره في تاريخ الصراع السياسي لدى الشعوب المسلمة أو في انتهاك حقوق الإنسان من قبل مجموعات عشوائية فالسياسة أينما كانت هي تاريخ التناحر على الحكم لدى المسلمين و لدى غير المسلمين، و من التجني معاداة مبدأ الوحدة الإسلامية برفع أشباح التدافع العنيف حول السلطة، فالعروش في كل الحضارات مواقع صراع و النفس البشرية مسلمة كانت أو مسيحية أو بوذية أو ملحدة هي ذاتها النفس البشرية التي ألهمها الله سبحانه فجورها و تقواها، كما جاء في الذكر الحكيم. أما الحضارة الإسلامية فهي الفتوحات الرائدة و أسلمة الفرس وتحويل القسطنطينية الرومية إلى قوة إسلامية عظمى وجعل الأندلس مصدر حوار الحضارات و تعليم أوروبا علوم الإغريق بعد أن ترجمها العلماء المسلمون و فتح المأمون باب الترجمة من اليونانية و تأسيس بيت الحكمة و تطوير الطب و الكيمياء و الرياضيات والفلك و تأسيس الخوارزمي لعلم الكسور في الرياضيات وهو أصل الكمبيوتر حتى أن مصطلح (اللوغاريتم) ما هو إلا تحريف لاسم الخوارزمي ! و رسم الإدريسي لخريطته للعالم على ظهر جمل وهي أم الخرائط و فكر العلامة ابن خلدون و قبله الجاحظ والمعري والأدب السياسي لابن المقفع و حكمة ابن سينا و ابن الجزار و عهد صلاح الدين الأيوبي واستقلال القضاء عند الإمام سحنون ... إلى آخر القائمة التي تمتد إلى العالم الحقوقي أبو الدساتير العربية المرحوم عبد الرزاق السنهوري الذي أنجز رسالة الدكتوراه في جامعة باريس عام 1924 حول الإتحاد الإسلامي و كيف نبعثه من جديد على أسس العصر الحديث. وهذه الرسالة القيمة المتميزة نشرتها ابنة السنهوري و زوجها الدكتور توفيق الشاوي في التسعينات بالعربية و لم يحظ هذا الكتاب الجليل بما يستحقه من الرواج والتعريف، و لكن اعتمده الأوروبيون لتأسيس اتحادهم الأوروبي ! ، بالرغم من أنه كتاب لم يصدر عن شيخ أزهري و لا زيتوني و لا عن متطرف، بل عن عقل قانوني مستنير تخرج من السربون لكنه لم ير سوى الاتحاد الإسلامي طريقا نحو التقدم و المناعة والاستقلال، و حتى يصبح المسلمون قوة من قوى العالم الحديث كبقية القوى و كما كانوا في الماضي القريب. و هكذا فكر و خطط رجال دولة من أمثال نجم الدين أربكان و علي عزت بيجوفيتش و مهاتير محمد. أي إن فكرة الوحدة ليست دينية محضة بل تنطلق من وحدة العقيدة لتؤسس للتعاون الاقتصادي و التكامل التجاري و التلاحم الثقافي و تحصن الشعوب المسلمة من المؤامرات و التهميش و الظلم. و أوروبا المتحدة اليوم هي 27 دولة تتكلم 22 لغة من أعراق متباينة ثم هي دخلت فيما بينها ثلاث حروب ذهب ضحيتها مئات الملايين من الضحايا في ظرف قرن واحد، وهي حروب 1871 و 1914و 1939 ،و قريب من حرب الكاتوليك و البروتستانت في أيرلندا و حرب التطهير العرقي في يوغسلافيا. و لكن على عكس المسلمين لم يقل من الأوروبيين قائل بأن هذا التاريخ المشحون بالدماء و التناحر و العدوان هو المانع من الوحدة.