14 سبتمبر 2025

تسجيل

التصويت للمالكي.. تصويت على تقسيم العراق

29 أبريل 2014

خلال وجوده في السلطة على مدى ثماني سنوات لم ينجح نوري المالكي في شيء قدر نجاحه في مشروع (تقسيم العراق)، لقد عمل جاهدا على تمزيق النسيج العراقي وحول العراق بسياساته الخرقاء من دولة مواطنة إلى دولة مكونات خلاف الدستور، ولأن المهمة لم تنته بعد والعراق لازال حتى اللحظة موحد، فإن وجود نوري المالكي في المنصب لدورة ثالثة تبدو مطلوبة من أجل إكمال المهمة. بصرف النظر عما نسمع، فإن العديد من الدول وبعضها إقليمي لازال يتحسب ويتخوف من عراق قوي وأمامه اليوم فرصة تاريخية حيث العراق ضعيف وشعبه منقسم يمكن استثمارها في تفكيك العراق آخذين بنظر الاعتبار أن مشروع التقسيم هو منذ عشرات السنين مطروح على الطاولة دائماً في دوائر الغرب وإسرائيل وإيران. لم أجد تفسيرا واحدا للنهج الذي اعتمده حزب الدعوة ابتداء من حكومة إبراهيم الجعفري وأكمله لاحقا نوري المالكي إلا الدفع باتجاه تقسيم العراق، وللتذكرة فقد انطلقت في زمن الأول حملات التطهير الدموية، وظاهرة الجثث مجهولة الهوية والقتل بالمثاقب والمناشير الكهربائية حتى بلغت الذروة في فبراير من عام 2006 بعد تفجير المراقد في سامراء حيث أكدت مصادر مطلعة تورط إيران فيها. تفاقم الوضع لاحقا في زمن ولاية نوري المالكي الذي توسع في حملات التطهير و التهجير والتضييق واستهدف العرب السنة بشكل منهجي في مختلف مجالات حياتهم وبات الكل مهدد بالاتهام والذي يسلم من قطع الأعناق بتهمة الإرهاب لاينجو من قطع الأرزاق متهما وفق قانون المساءلة والعدالة، حتى الذين شاركوا في العملية السياسية واغضبوا شريحة واسعة من العرب السنة لم ينج من الملاحقة والتضييق ناهيك عن فصائل المقاومة المسلحة التي لوحقت بتهم الإرهاب أيضاً.، بل امتد ذلك حتى للصحوات وهي رغم أنها قضت على أكبر تهديد كان يواجه العملية السياسية السلمية واقصد نفوذ تنظيمات القاعدة فقد استهدفت بحملة اغتيالات منظمة بالكاتم تولتها فرق اغتيال تابعة لمكتب المالكي وسهلت ذلك بسحب الحمايات والتضييق عليهم بقطع الرواتب رافقتها حملات إثارة الغرائز الطائفية وتأجيج مشاعر الكراهية واستدعاء خلافات تاريخية مضى عليها 1400 سنة لتكون جزءا من الشهد السياسي للعراق الجديد. الخلافات مع إقليم كردستان والتي تركزت على حقوق التنقيب عن النفط وتسويقه ليست عصية على الحل، بل حتى المشاكل المتعلقة بحرس الإقليم والبيشمركة والمناطق المتداخلة ممكنة الحل، لكن المالكي اختار أن يبقيها معلقة كي تتعاظم قواته العسكرية أولا وبالتالي يتفاوض من موقع قوة ومتى فشلت المفاوضات فإن خيار استخدام القوة جاهز.... أما خلافه مع العرب السنة وهو الأكثر بروزاً على الساحة فإن المالكي ليس فقط لم يستجب لمطلب واحد من مطالبهم رغم أن الاستجابة لها ممكنة باعتبارها مطالب دستورية مشروعة بل هو لم يضع حدا لاستهداف رموزهم أو ملاحقة شبابهم واغتصاب مساجدهم والتعدي على أعراض نسائهم.. بل إن المداهمات العشوائية وحملات الاعتقالات الجماعية على الهوية لم تتوقف، وتحولت المحافظات ذات الأغلبية العربية السنية إلى مناطق غير صالحة للحياة ما دفع الملايين من العوائل للهجرة وطلب اللجوء.. وعندما يفقد المواطن الملاذ الأمن في وطنه ويضطر للهجرة فهل سيلام هذا المواطن إذا ما راجع مع نفسه ثابتا مقدسا آمن به وترعرع عليه ودافع عنه بكل ما يملك وأقصد (العراق الموحد)؟ لا أعتقد سيلومه أحد. الحياة الحرة الكريمة أكثر قدسية من جغرافيا الوطن الواحد، إذ ماهي قيمة العراق الموحد للمواطن إذا أصبح اليوم بحكم حملات التطهير والتفريس غريبا عنه؟ وفي الوقت الذي يتهيأ فيه إقليم كردستان لإعلان حق تقرير المصير، فإن العرب السنة بعد أن اضطروا لحمل السلاح لن يتنازلوا للمالكي أو لمن سيخلفه عن حقهم في حياة حرة كريمة وباتوا يتحدثون علانية بخيارات تؤمن لهم استقلالية عن المرجعية الإدارية في بغداد لأمور الأمن والخدمات والطاقة وغيرها، وهم في ذلك مجبرون لا مخيرون لكنهم باتوا أكثر حزما من أي وقت مضى خصوصا بعد العدوان العسكري واسع النطاق على الأنبار وديالى ومناطق حزام بغداد. وحتى تكتمل المسرحية لابد أن يكون للشيعة من موقف يعزز حالة التشرذم والانقسام، والسيناريو انصرف لإيذائهم بسيل لا ينقطع من الهجمات الظالمة بالسيارات المفخخة لا تستهدف النخبة بل بسطاء الشيعة والذين لا حول لهم ولا قوة ومن ثم الترويج أن القتلة هم (العرب السنة) وليس فريقا متعصبا منهم، لهذا قسم نوري المالكي الشعب العراقي بين جيش الحسين وجيش يزيد! ليس هذا فحسب بل إنه بات يوظف خلافات فنية مع إقليم كردستان حول النفط من أجل التحريض وخطابه، لماذا يستفيد الكورد من ثروات البصرة وميسان والناصرية وغيرها بينما تمتنع كردستان عن تسليم ما تنتجه من نفط خام لخزينة الدولة وتحرم منه الشيعة.!! بالطبع مع موقف وخطاب من هذا الطراز لابد أن تتحول ثقافة الشراكة والمصلحة المشتركة إلى ثقافة الشك والحسد والأنانية.. وهي بذور تصلح للتقسيم لا أروج للتقسيم ولا أؤمن به وأعتقد أنه يمثل وصفة كارثية يتلاشى بموجبها العراق بالكامل لصالح الدول المجاورة، لكن ذلك لا يلغي الحقائق الصارخة على الأرض وتسليط الضوء عليها ولو كانت مرة. العراق في مفترق طرق، وأمامنا ربّما الفرصة الأخيرة، فأما بقاء العراق موحد شرط تولي طاقم قيادة بديل يشكل حكومة على أساس من التوافق الوطني تتولى إصلاح ما أفسده نوري المالكي وتعمل بجدية على إقامة دولة المؤسسات والعدل أو استحواذ المالكي على ولاية ثالثة ما يعني مواصلة النهج الكارثي الذي سيقود دون شك إلى تقسيم العراق. وفي هذا الصدد أعيد للأذهان تصريح وكيل وزارة الأمن القومي الإسرائيلي عندما صرح في محاضرة ألقاها في إحدى الجامعات العبرية عندما قال (لقد حقنا في العراق ولا زلنا نحقق ما تجاوز إلى حد بعيد ماكنا نتوقع تحقيقه!) صرح بذلك ونوري المالكي رئيساً لمجلس الوزراء منذ ثماني سنين. لهذا أحذر وأقول إن التصويت لنوري المالكي في انتخابات غد إنما تعني التصويت لتفكيك العراق وتقسيمه.