10 سبتمبر 2025

تسجيل

القوى المأجورة

29 أبريل 2014

يقول نيكولو ماكيافيللي في كتابه الأمير: " وإذا نظرنا بعين الاعتبار إلى العلة الأولى لسقوط الدولة الرومانية، فإننا نردها إلى مجرد استئجارهم القوات المأجورة".إن كل قوة في الحياة، إنما تأتي من عوامل تساعد على تكوينها وبلورتها، ومن ثم تمكينها حتى تؤدي عملها على الوجه الكامل والصحيح، أيضًا قد تُخلق من مؤثرات تؤهلها لأن تكون طاقة، تمتلك جميع المقومات للقدرة على التأثير، أو التغيير، أو حتى التنفيذ.ولعل القوة لا يُمكن أن تحصر في مجال واحد، ولا ينبغي لها ذلك، فهي في انتشارها واتساعتها وامتدادها، نجدها في كل زوايا الحياة.فالذكاء قوة، والإدارة قوة، والقلم قوة، والايديولوجية قوة، والرياضة قوة، والجيش قوة، والحب قوة، والكره قوة، والظلم والاستبداد قوة..الخ.و كأي شيء يمكن تعطيله، وتمكين آخر بديله، فالقوة أيضًا لها أن تعطل بعد أن تُشل تماما، لتُستبدل أخرى، قد تكون لها نفس المقومات، والإمكانيات التي تخوّل الأولى للقيام بعملها، ولكن لتخطيط ما، تعمل الثانية بقوانين أخرى، بتفكير مجزأ، غير مستقر، وبولاء معدوم، تتخبط دون دافع حقيقي في تحقيق الهدف المنشود، ولأن الوسيلة غير نبيلة، فالنتيجة غالبا ما تأتي مخيبة، غير مجدية البتة. يقول ماكيافللي في ذلك: "إن سلاح الغير إما يسقط عن كتفيك أو يثقل كاهلك أو يشل حركتك ".إن ما يسمى بالقوى الأجيرة، إنما هي كائنات متطفلة، مرتزقة تقتات على الرؤى المضببة، ما أتى بها غير ضياعها في دروب الحياة، لا يمكن أن تبني مجدًا مهما عظمت طاقتها، ولن تقوم على أكتافها نهضة، ولا أمنًا، ولا سلامًا.وذلك ينطبق أيضًا على الأبواق الأجيرة، من الكتّاب والصحفيين والمفكرين، ينعق أحدهم بما لا يسمع، يصيح فلا يفهم نداءه أحد، ولا يفقه مساءه ما صرّح به صباحه، إنها مهما تحدثت وكتبت وصرّحت، ومهما بيّنت قوتها، واستعرضت عضلاتها، فإنها تبقى الثقب الذي ينسل منه الضعف، لينتشر الهوان وتكون البداية للهزيمة، وتلاشي كل ما كان يسمى بـ " القوة "، يقول فضيلة الشيخ عبدالعزيز الطريفي " الكاتب الأجير لا يصنع فكرًا، ولا يحمي وطنًا، ولا يجلب ولاءً، ولا يُهيب خصمًا، يكتب إذا خاف وطمع، ويتنكر إذا أمِن وشبع".إنها مصيبة عظيمة، أن يُعطل فكر، ليقوم آخر بالقيام بمهام الأول، أن يتوقف إنسان عن العمل بالوجه الصحيح والمطلوب، لأن آخر مأجور، يفكر عنه، ويخطط عنه، وربما يدمر عنه.إن النصر الحقيقي لا يُبنى على باطل، وكل طاقة أجيرة إذا ما انفجرت فإنما تنفجر على باطل، تدرك مسبقًا أنها سينقطع دابرها، لأنها طاقة سلبية انهزامية، تتلاشى مثل السراب في طريق الحياة الشاق الطويل.