11 سبتمبر 2025
تسجيلثمة إشكالية بالفعل في المحروسة – مصر- تتعلق بالسلطة القضائية والتي باتت في مرمى نيران جماعة الإخوان المسلمين وبعض من حلفائها في تيار الإسلام السياسي ويفسر البعض ذلك بأن هذه السلطة مازالت خارج نطاق مشروع التمكين الذي تطبقه الجماعة منذ وصول رموزها إلى السلطة التنفيذية والتشريعية في حين يتهم هؤلاء الرموز أغلب رجال القضاء بأنهم مازالوا مقيمين في خانة الثورة المضادة وأنهم جزء من أدوات الدولة العميقة المناهضة لثورة يناير ومن ثم يتعين المواجهة معهم وتقليص نفوذهم المتنامي في المشهد السياسي والقانوني المصري لقد بلغت هذه الإشكالية ذروتها في تظاهرات حاشدة نظمتها جماعة الإخوان المسلمون وحزبها المنبثق عنها : الحرية والعدالة مع حزب الوسط ذي المرجعية الإسلامية يوم الجمعة قبل الماضية تحت شعار تطهير القضاء أمام دار القضاء العالي التي تمثل رمز السلطة القضائية والتي تقع في مبنى تاريخي مهيب بوسط القاهرة متزامنا ذلك مع طرح مشروع قانون جديد للسلطة القضائية تقدم به حزب الوسط الذي بات يجيد لعبة توزيع الأدوار مع الجماعة وحزبها في نطاق التحالف الاستراتيجي الذي يضمهما الآن خاصة مع نأي القوى السلفية بنفسها عن هذا التحالف ووصل الأمر إلى حد إعلان مواقف حادة ضد سياساته وتوجهاته وبالذات في الآونة الأخيرة ولعل من أبرز مبررات غضبة رجال القضاء والقوى المدنية في المحروسة على مشروع القانون ذلك النص الذي يخفض سن التقاعد من 70 إلى 60 عاما وهو ما يعني التخلص من عدد يزيد عن ثلاثة آلاف قاض من إجمالي عددهم في مصر والذي يبلغ أكثر من 12 ألف قاض وذلك يعني مذبحة حقيقية لهذه السلطة تحت ذرائع قانونية واللافت في هذا السياق أن المرشد العام السابق لجماعة الإخوان أدلى بتصريحات قبيل التقدم بمشروع القانون قال فيها "إن القضاة فاسدون ومفسدون، وقاموا بحل مجلس الشعب السابق، وأن أول قانون سيصدره مجلس النواب سيتم بموجبه الإطاحة بعدد 3500 قاضٍ فاسد " وهو ما يعكس أن الهيئات القيادية بجماعة "الإخوان المسلمون" هي التي خططت لإشعال الأزمة أو بالأحرى الإشكالية على نحو يعكس الرغبة فى تصفية الحسابات معها على خلفية قيام المحكمة الدستورية العليا بإصدار حكم ببطلان القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات مجلس الشعب السابق الذي تمتع فيه نواب الإخوان والتيار الإسلامي بالأغلبية وبالطبع سبق هذه الحملة الممنهجة ضد المؤسسة القضائية محاصرة نفر من المنتمين للجماعة ولبعض الجماعات الإسلامية لمقر المحكمة الدستورية لفترة طويلة مما عطل أداءها لوظيفتها وهو تطور عكس منطقا مغلوطا في النظر إلى هذه المؤسسة بحسبانها خصما وليست جزءا من مكونات الدولة المصرية الأساسية ذات التاريخ الطويل. وأظن أن تلك نظرة قاصرة وتؤشر إلى ضيق أفق سياسي حتى لو كان ثمة قصور في أداء رجال السلطة القضائية أو تباين مع بعض توجهاتهم التي تمثل الموروث القانوني الذي ظل محافظا على صلابة الدولة رغم صعوبة بعض المراحل التاريخية التي واجهتها ومن ثم فإنه كان يتعين الأجدى بالجماعة وحزبها والمتحالفين معها ألا يخلقوا حالة عداء مع السلطة القضائية ولا يتبنوا سياسات تسعى إلى محاربتها والإجهاز عليها من منظور ثأري انتقامي. فذلك لا يتسق مع التوجه إلى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة وهو الشعار الذي تبناه الرئيس مرسي وتخلى عنه فور وصوله إلى قصر الاتحادية في الثلاثين من يونيو الماضي بعد أن حلف اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا ورهن سياساته بمواقف الجماعة فحسب بينما هو في حقيقة الأمر رئيس لكل المصريين وظهرت تجليات ذلك فى الإعلان الدستوري الذي أصدره في الثاني والعشرين من نوفمبر المنصرم وألهب الواقع السياسي المصري الذي لم يهدأ منذ ذلك اليوم الذي بشر بنزوع معاد للسلطة القضائية ورجالها سواء من قبل مؤسسة الرئاسة أو جماعة الإخوان والمنخرطين تحت لوائها ثم تلا ذلك سلسلة من الخطوات المرتبكة من قبيل المسارعة بالانتهاء من الدستور الجديد خلال 19 ساعة رغم أنه كان متبقيا على الفترة القانونية له حوالي شهرين والدخول في معركة النائب العام بأسلوب تغافل عما يحيط بهذا المنصب الرفيع والمستقل من محددات قانونية ودستورية والإصرار حتى الآن على نائب عام أقل ما يوصف به أنه غير متناقض مع توجهات الجماعة وأخواتها في مؤسسة الرئاسة والأحزاب الأخرى ذات المرجعية الإسلامية وهو ما شجع قياديا في الجماعة الإسلامية الراديكالية وهو الدكتور عاصم عبد الماجد إلى الدعوة إلى التظاهر أمام منازل القضاء على نحو شكل منحنى خطيرا يقود إلى ترويعهم بدون شك في ظل حالة الانفلات الأمني المتفاقمة في المحروسة وما زالت الشرطة المصرية عاجزة عن القضاء عليها. ولاشك أن استقالة كل من المستشار أحمد مكي وزير العدل ومحمد جاد الله المستشار القانوني للرئيس مرسي شكلتا تجليا نوعيا للإشكالية المحيطة بالسلطة القضائية في مصر فالرجلان كانا من أشد مناصري الرئيس والمدافعين باستماتة عن توجهاته خاصة القانونية والدستورية رغم تناقضها مع توجهات النخب المدنية التي تنادي بالمحافظة على الدولة الوطنية الديمقراطية التي تم التوافق على بنائها بين الجميع ومن ثم يمكن القول إن كلا من الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وحزبها والقوى المتحالفة معها مطالبون بإعادة صياغة مسارات العلاقة مع السلطة القضائية بما يؤكد احترام استقلاليتها بصدق وهذا يتطلب التراجع عن مشروع القانون المقدم للبرلمان وإجراء حوار موسع بشأنه مع رجال هذه السلطة ومع القوى السياسية الأخرى وطرحه ليس على مجلس الشورى الحالي ولكن على مجلس النواب القادم وهو ما طالب به مؤخرا المستشار حسام الغرياني رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بما ينبئ عن صحوة قاض بعد أن تحالف ضمنا مع الجماعة وحزبها ومؤسسة الرئاسة عندما تولى رئاسة اللجنة التأسيسية للدستور والتي أتت بالدستور الحالي موضع الجدل والرفض من قبل القوى السياسية المدنية باعتباره يكرس لهيمنة الجماعة على مفردات الدولة المصرية. إنها خطوة ضمن خطوات أخرى باتت مطلوبة بإلحاح لاستعادة التوافق بين مكونات الدولة والقوى والنخب السياسية التي تكابد منذ أشهر حالة غير مسبوقة من الانقسام والتشظي والعنف بأشكاله المختلفة.