12 سبتمبر 2025
تسجيلفي كلمته أمام مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" أشار صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر إلى قضايا اقتصادية مهمة تتعلق بالتغيرات الجارية في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الأزمة المالية والتحولات الخاصة بالمضاربات قائلا بأنه "يجب وقف الجشع والمغامرة بأموال الآخرين". قبل ذلك أوضح أحد موظفي المؤسسة المالية العالمية "غولدمان ساكس" والتي تدير أصول الكثير من بلدان العالم ومؤسساته العامة والخاصة إلى التلاعب الذي تمارسه "غولدمان ساكس" وتركيزها على تحقيق أرباح خيالية على حساب المستثمرين، حيث تتميز العديد من الصفقات وإدارة الأموال التي تقوم بها لصالح الآخرين بالمغامرة والتلاعب، مما كبد هذه المؤسسات ومن ضمنها مؤسسات عربية خسائر جسيمة. ومؤخرا انضم الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المحذرين من خطورة التلاعب والمضاربات على الاقتصاد العالمي، بما فيه الاقتصاد الأمريكي الهش، حيث ركز انتقاداته على المضاربين في أسواق النفط، وذلك بعد أن أدت هذه المضاربات إلى ارتفاع سعر البرميل إلى معدلات عالية أرهقت الاقتصاد العالمي الذي لم يتعاف حتى الآن من أزماته المتكررة. ومع أن ما يهم الرئيس أوباما هو وضع الاقتصاد الأمريكي ورضا المواطنين هناك في ظل سنة انتخابية حرجة بالنسبة لرئيس يسعى إلى ولاية ثانية، إلا أن انتقال المضاربين الكبار من المشتقات المالية إلى المضاربات المحمومة في السلع يثير قلق حكومات العالم لما يسببه من خسائر وتدن في مستويات المعيشة وبالتالي إلى اضطرابات اجتماعية وتغيرات في الأمزجة الانتخابية تؤدي إلى تطورات غير مرغوبة. في المقابل لا يكترث رأس المال المغامر والذي أصبح يتحكم في سير أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية كثيرا لما تبديه الحكومات من قلق تجاه المضاربات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بصورة مصطنعة في أغلب الأحيان، إذ إن ما يهم رأس المال هذا هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح. ومن واقع الحال يتضح أن حكومات العالم ومؤسساته المالية لا تستطيع محاسبة كبار المضاربين والحد من توجهاتهم الخطرة على الاقتصاد العالمي، وذلك لما يتمتعون به من قدرات مالية كبيرة تراكمت خلال سنوات العقد الماضي بفضل المضاربات والمغامرة بأموال الآخرين وكذلك بفضل ما تتمتع به من خبرة ودراية بأسواق المال والسلع في العالم. وعلى العكس من ذلك، فإن بعض المؤسسات المالية الكبيرة استطاعت التأثير في سياسات العديد من الحكومات الغربية، إما من خلال أعضاء البرلمانات ودفعهم إلى تعطيل الإجراءات التشريعية التي تحد من نشاطاتهم المضاربية، كما حدث في الولايات المتحدة والتي استخدم فيها الكونغرس لوقف توجهات إدارة الرئيس أوباما لتقليص نفوذ رؤساء المؤسسات المالية وتخفيض حجم المكافآت المالية الهائلة التي يحصلون عليها، أو من خلال التأثير في الانتخابات العامة ودعم مرشحين مؤيدين لتوجهاتهم المالية ذات الطابع المضاربي غير المنتج. في ظل هذه الأوضاع غير المستقرة والصراع بين رأس المال المغامر والسياسات الحكومية المرنة يطرح تساؤل مهم يتعلق بآفاق الاقتصاد العالمي المترنح، حيث لم تؤد الإجراءات المتخذة حتى الآن، وبالأخص في منطقة اليورو إلى نتائج ملموسة، مما يفسر التذبذبات الحادة في أسواق المال العالمية، حيث ينشط رأس المال المضارب للاستفادة من هذه التذبذبات وتأجيجها لتحقيق أرباح خيالية على حساب المستثمرين بشكل خاص وعلى حساب تعافي الاقتصاد العالمي بشكل عام. وبما أنه لم تتمكن البلدان الكبيرة والفاعلة اقتصاديا من الحد من أنشطة رأس المال المغامر والتخفيف من ضغوطه الكبيرة والمؤلمة والتي تشمل اقتصادات كافة البلدان، فقد أصبح من الضرورة بمكان أن تعمد كل دولة إلى مراقبة أنشطة المضاربات في أسواقها المالية واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد منها وتقليل تأثيراتها السلبية على أوضاعها الاقتصادية، حيث يلاحظ في الآونة الأخيرة توجه رأس المال المغامر لأسواق البلدان النامية، وبالأخص الغنية منها، كأسواق بلدان مجلس التعاون الخليجي لتأجيج المضاربات من خلال الأموال الساخنة. وفي الوقت نفسه، فقد أصبح من الضرورة أيضاً حماية الاستثمارات العربية، وبالأخص الخليجية منها في الأسواق العالمية، إذ إن رأس المال المغامر يرتبط بالعديد من دور الاستشارات المالية في عملية معقدة من التعاملات المالية والمضاربية المغرية والخطرة في الوقت ذاته. مثل هذا التوجه يمكن أن يحمي الأسواق المحلية ويحقق أقصى استفادة من عائدات النفط المرتفعة ويؤدي إلى حماية الاستثمارات الخارجية والتي أضحت عائداتها تشكل مصدرا مهما لتعزيز الأوضاع المالية والاقتصادية في بلدان المنطقة.