12 سبتمبر 2025

تسجيل

تقاسم تركة الرجل العربي المريض

29 مارس 2016

قبل قرن من الزمان قامت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية برسم الخارطة الجديدة للعالم العربي، وقام برسم هذه الخارطة، لكن الثورة البلشفية أخرجت روسيا من المعادلة وبقي على الساحة البريطانيون والفرنسيون بوصفهما القوتين الاستعماريتين العظميين في ذلك الحين.منذ ذلك الحين استمرت لعبة الأمم في العالم العربي، الذي تحول إلى ملعب ورقعة للشطرنج لمن هب ودب، وصار العرب دولا وأنظمة وقوميات وهويات وأكثريات وأقليات، وتحول كل مكونات هذا العالم العربي إلى قنابل متفجرة، عصفت بالوحدة العربية ووحدة الشعور العربي، وقسمت الأرض وفتت الجغرافيا، واستمر الاستعمار يحكم في بعض ما أصبح يسمى "دول عربية" حتى عام 1971، وعندما خرج الاستعمار العسكري المباشر من أرضنا العربية، خلق آليات تضمن له السيطرة والتحكم، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.الآن وبعد 100 عام من مؤامرة "سايكس – بيكو"، وتأسيس "النظام العربي" الذي كان بحق عبارة عن "أنظمة عربية" لأنه لم يكن نظاما واحدا على الإطلاق، وإنشاء "الدولة العربية"، وصلت هذه المؤامرة وهذه الخارطة القديمة إلى نهايتها، فالدولة العربية فشلت على جميع الأصعدة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وأمنيا، وتحولت إلى حالة مأساوية غير قابلة للإصلاح حتى من قبل الصانعين القدماء "بريطانيا وفرنسا" أو من قبل الوريث الاستعماري الجديد، أمريكا.هذه الحقيقة دفعت رجلا من وزن مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مايكل هايدن إلى الإعلان عن اختفاء دولتين عربيتين من دول خارطة سايكس – بيكو، وهما "العراق وسوريا" وقال ما نصه في حوار مع صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: "لنواجه الحقيقة: العراق لم يعد موجودًا ولا سوريا موجودة، ولبنان دولة فاشلة تقريبًا، ومن المرجح أن تكون ليبيا هكذا أيضًا".وتابع: "اتّفاقيات سايكس بيكو الّتي وضعت هذه الدول على الخارطة بمبادرة من القوى الأوروبية في عام 1916 لم تعكس قطّ الوقائع على الأرض، والآن تؤكّد هذه الحقائق على ذكرياتنا بطريقة عنيفة للغاية".وأوضح أن "المنطقة ستبقى في حالة عدم استقرار في السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة، معتقدا أن السياسة الهادفة إلى إحياء هذه الدول لن تكون مجدية"، وأضاف: "لم أشهد عالما أكثر تعقيدًا من عالم اليوم، خاصّة في الشرق الأوسط في دول كانت تسمّى سابقًا بـالعراق وسوريا. اليوم لدينا الدولة الإسلامية والقاعدة والأكراد والسنة والشيعة والعلويون"، وبحسب هايدن "ربّما سيكون هناك مقعد سوري أو عراقي في منظمة الأمم المتّحدة ولكن البلدين قد اختفيا". وأكد أن "الأكراد الآن هم الحليف المفضل للولايات المتحدة في المنطقة وسيبقون على تحالف مع القوى الغربية بسبب التقاء المصالح بين الطرفين، مشيرًا إلى استحالة عودة العراق كبلد موحد كما كان سابقا وحتى سوريا أيضًا، داعيا لتسليح الأكراد فورًا".هذا الاقتباس الطويل يكشف الرؤية الأمريكية للعالم العربي الذي يطلق عليها "الشرق الأوسط"، وهي رؤية تعني أن القوى الاستعمارية الغربية، أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومعهم هذه المرة روسيا، جادة في إعادة رسم المنطقة العربية من جديد لتلبية مصالحها وضمان استمرار نفوذها، وحماية أمن الكيان الإسرائيلي، لأن هذا الكيان يشكل حجز الزاوية في هذه الخارطة الجديدة، كما كان حجر الزاوية في الخارطة "الشرق أوسطية القديمة". وهذا يعني تبدل التحالفات وتغيير الحلفاء بما يعني اختفاء دول وأنظمة "حليفة" عن الساحة، وهو مخطط جديد يجري تنفيذه بإصرار من قبل الدول الاستعمارية الأوروبية والروسية والأمريكية وبمشاركة دول إقليمية غير عربية مقابل جزء من الكعكعة وتقاسم "الرجل العربي المريض". أنها بداية مرحلة جديدة في عالم مختلف لن نرى فيها أشياء اعتدنا رؤيتها على مدى قرن كامل.