16 سبتمبر 2025
تسجيلإليكم سيناريو حسن السبك والحبك عن كيفية إشعال ثورة شعبية، تسميها الحكومات المستهدفة "شغبية": يخرج بضعة مئات في مظاهرات، فتنهال عليهم قنابل الغاز والهراوات، فيرتفع عدد المحتجين إلى آلاف قليلة، وبالتالي قليلة الحيلة، فينهال عليهم الرصاص، وتتوعدهم الحكومة بالمزيد من القصاص، وتزداد المظاهرات عنفوانا، وتزداد عصابات الأمن هيجانا، وتتبرأ الحكومة بكل قوة عين، من أي عمل دموي أو مشين، وتنسب العنف إلى المخربين والمندسين، وبعد أن يتجاوز عدد القتلى كذا مائة، تشعر الحكومة باختناق في الرئة، فيخرج صاحب الفخامة الرئيس، ويلقي خطابه التعيس: الوطن يتعرض لمؤامرة كبرى، وينبغي للمواطن أن "منها يتبرأ"، والأعداء يتربصون بنا، ويحسدونكم على ما أنتم فيه من نغنغة و"هَنَا"، طلباتكم على العين والراس، وقررنا منح كل مريض قرص فاليوم، ولكل طالب كراس، وسنخفض سعر الملح والشاي، ونعطي كل مواطن جيتارا و"ناي"، ونقيم لكل شهيد منكم ضريحا، وأوامري في هذا الصدد واضحة صريحة فهيصوا وانبسطوا فالقادم أحلى (يعني "أحلك"). والشعب يعرف أن ذلك في "المشمش"، ويخرج للساحات بثبات ليطيح بالجالس على العرش، وتختفي الشعارات المنادية بالإصلاح، ويرتفع نداء حي على الكفاح، فتمتلئ الشوارع بالمصفحات والمدرعات، التي ظلت مركونة تشرب الشيشة وتخزن القات، أسلحة دفعت فيها الشعوب الشيء الفلاني، وقيل إنها لمحاربة الصهاينة والإمبريالي الأمريكاني، جيوش حالها ليس أفضل من فرق الكشافة، تمارس التقتيل العشوائي بلا رحمة أو رأفة، وصدور مزخرفة بالنياشين، وكل نيشان جاء نظير دماء العشرات من المواطنين، لم ينل ضابط رتبة أعلى من محاربة عدو، بل بالتنكيل بمواطنيه بالضرب والسحل وأحيانا "تفووو"، وعندها يدرك الرئيس المزمن، أنه استهلك مخصصاته من "الزمن"، ويقف أمام الميكرفون، كما شخصية في فيلم كرتون، ويعلن أنه زهج وقرف من الحكم، وحينها يدرك الشعب بدوره أن مرسي ابن المعلم الزناتي أنهزم. أما عندما تنظم الحكومة مظاهرات تأييد "عفوية"، فتأكد أن حالتها صارت "عفنية"، وأنها تطبخ للمواطن لحما دون تنظيف الكرش والمصارين، يسبب تعاطيها حساسية لا يجدي معها الـ"أنتي هستامين"، وعندما تصل الأمور إلى طرد مراسلي بي بي سي والجزيرة وربما سي ان ان، تسقط الحكومة قبل ان تنجح في العد من "ون" إلى "تن"، ومن بلد إلى آخر يشهد السيناريو تغييرات طفيفة، تتفاوت بين العنف الأهوج والوعود السخيفة، فقعيد ليبيا الجزافي مثلا، ازداد جنونا وخبلا، ولأول مرة في التاريخ، نسمع بقمع مظاهرات بالراجمات والصواريخ، وفي اليمن قالوا لعلي صالح ارحل، فلجأ إلى تجربة جماعة نحسي مبارك في غزوة الجمل، ولكن وبعد إعلان العصيان المدني، صار محتارا بين جنيف وسيدني، ثم استأسد بالحوثي وتجبّر، فقاده حلفاؤه هؤلاء إلى القبر، وفي سوريا يقتل في يوم واحد أكثر من مائة شخص، لأنهم ناكرو الجميل.. إخص، عاشوا في نعيم قانون الطوارئ لنصف قرن، ولكن اتضح أنهم في غباء وحيد القرن، يخرجون مندفعين إلى الشوارع، رافضين فعل الماضي ومطالبين بالمضارع، أي راهن الحال والمستقبل، وهو ما لا يطالب به إلا عبيط وأهبل، كيف يتمرد عاقل على حكم بني أمية، ما لم يكن مستحقا لمحو الأمية؟ عام 2011 كان بداية ربيع العرب، فقد بدأوا التداوي من العجز والجرب، وهناك رؤوس كثيرة جاهزة للحلاقة، مهما حسبت أن أجهزتها الأمنية كاملة اللياقة، لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، فخلصونا من عصبة العرْبجية، فكراسي الحكم أصيبت بالبواسير، ولا ترضوا لأنفسكم ب"المواسير"*، عالجوا تلك الكراسي، لتلقى سفن الثورات الظافرة المراسي، فيجلس عليها من قلوبهم على الوطن، وليس من ينتزعون اللقمة من أفواهكم ويخزنوها في فريزرات سويسرا ولندن. *الماسورة في العامية السودانية تُطلق على الشخص الأجوف الذي يخيب ظن الناس.