31 أكتوبر 2025

تسجيل

العطاء منحة من الله

29 يناير 2017

كنا في وقت ما نتغنى بأمجاد من سبقونا من أهلنا وأجدادنا وأنهم قوم كان فيهم كرم وعطاء، رغم الظروف القاسية التي عاشوا فيها، وهذا لم يمنع أن يتصفوا بتلك الصفات النبيلة والأخلاق الكريمة، بينما في وقت آخر إذ نسمع فيه أن الأثرياء بلغ حد ثرائهم المليارات ولكنهم يتصفون ببخل شديد يجعلهم حتى لا يخرجون زكاة أموالهم وهذا إثم آه لو تعلمون عظيم.وكما يقول علماؤنا، العطاءُ فكرةٌ نافعةٌ تُهدِيها في عملِك ولمُجتمعِك، عطاءُ مالٍ وعطاءُ علمٍ ومعرفةٍ ومعلوماتٍ وخبرةٍ، عطاءُ نفسٍ من جاهٍ، عطاءٌ من وقتٍ وسُمعةٍ وشفاعةٍ، عطاءُ جسَدٍ من خدمةٍ وإماطةِ أذى ومشيٍ في مصالِحِ الناس، وعطاءُ تضحيةٍ ببذلِ النفسِ في سبيلِ الله.ولقد كان لنا في رسولنا الكريم وقدوتنا محمد صلوات الله عليه وتسليمه نموذجاً حياً للعطاء بلا حدود وفي هذا يقول جابرٌ — رضي الله عنه —: “ما سُئِل رسولُ الله — صلى الله عليه وسلم — شيئًا قطُّ فقال: لا، سألَه رجلٌ غنَمًا بين جبلَيْن فأعطاه إيَّاها”، وبلغَ من عطائه: أنه أعطى ثوبَه الذي على ظهره، ومن عطائه لأمَّته: أنه سخَّر حياتَه لها نذيرًا وبشيرًا قائلاً: "إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد".أذكر هذا بسبب حملات الإعلان التي تلاحقنا ليل نهار تحثنا على العطاء الذي ذكرنا أنه ليس مالا وحسب، وإنما هو أوجه شتى، فالعطاءُ بابٌ مُشرَعٌ لكل فئاتِ وطبقاتِ الناس، وهو سهلٌ يسيرٌ؛ ابتسامةٌ في وجه أخيك، زيارةٌ، مريض، كلمةٌ طيبةٌ، دعاءٌ بظهر الغيب، نفقةٌ محتاج، دواءُ لمحتاج، نفقة طبيبٍ لمريض معوز.ومن وجهة نظري أن الايثار أي تفضيل أخيك عليك وترك الأنانية التي بدأت تسود هي أعلى درجات العطاء وفى هذا أتذكر قصة قرأتها منذ زمن، والقصة هي "يحكى أنه كان هناك أخوان يعيشان في مزرعة وكان أحدهما متزوجاً ولديه عائلة كبيرة،أما الثاني فكان أعزب، وكانا يتقاسمان الإنتاج والربح بالتساوي، وفي يوم من الأيام قال الأخ الأعزب لنفسه "إن تقاسمنا أنا وأخي الإنتاج والأرباح فهذا ليس عدلاً، فأنا بمفردي واحتياجاتي بسيطة فـكان يأخذ كل ليلة من مخزنه كيساً من الحبوب ويزحف به عبر الحقل من بين منازلهم ويفرغ الكيس في مخزن أخيه،وفي نفس الوقت قال الأخ المتزوج لنفسه إنه ليس عدلاً أن نتقاسم الإنتاج والأرباح سوياً أنا متزوج ولي زوجة وأطفال يرعونني في المستقبل وأخي وحيد لا أحد يهتم بمستقبله، وعلى هذا اتخذ قراراً بأن يأخذ كيساً من الحبوب كل ليلة ويفرغه في مخزن أخيه، وظل الأخوان على هذا الحال لسنين طويلة إلا أن ما عندهم من الحبوب لم يكن ينفد أو يتناقص أبداً.. وفي ليلة مظلمة قام كل منهما بـتفقد مخزنه وفجأة ظهر لهما ما كان يحدث فأسقطا أكياسهما وعانق كل منهما الآخر.وأخيراً هناك الكثير مما يقال في هذا الموضوع الكبير الذي ربما قد بدأناه بتذكير أنفسنا بمشروع "إعفاف" الذي كتبنا عنه الأسبوع الماضي والذي تقوده مؤسسة راف الخيرية لتزويج غير القادرين، ولكنه ينسحب على أمور شتى في حاجة إلى عطائنا منها دعم المسلمين في سوريا وكافة بقاع العالم التي بها قلاقل ومشاكل ومنها صلة الرحم وإيتاء ذوى القربى، وأخيرا العطاء هو الإخلاص للوطن الذي منحنا الكثير وما زال،وكما يقولون العــــطــــاء: هو أن تكون في الحياة كزجاجة العطر تقدم للآخرين كل ما بداخلك وإن فرغت تبقى رائحتك زكية طيبة وسلامتكم.