29 أكتوبر 2025

تسجيل

ثورة للتعليم في قطر

29 يناير 2016

القرار الأخير بإلغاء المجلس الأعلى للتعليم والعودة إلى وزارة التربية والتعليم، خطوة في الاتجاه الصحيح، فقد كان إلغاء المجلس مطلبا شعبيا طال انتظاره، بعد النتائج المخيبة للآمال لسياسة المدارس المستقلة، التي تحولت إلى مختبرات لإجراء التجارب على الطلاب والمناهج التعليمية وطرق الإدارة.ولكي لا أكون عدميا أو من "حارقي البخور" الذين يصفقون للقرار ونقيضه فإن معارضتي لفكرة المدارس المستقلة، ليس لأنها نظرية سيئة بالضرورة، بل لأن التطبيق كان رديئا، فكل شيء يمكن أن يكون جيدا على الورق، لكنه قد يكون غير ذلك عند تجربته ميدانيا، وقد أثبتت النتائج في السنوات الأولى أن هذه التجربة لن تكون ناجحة، فقد كانت مؤشرا كبيرا على إخفاق هذه التجربة، فقد تم اعتماد اللغة الإنجليزية بدل اللغة العربية، وجرى تكليف كل مدرسة بإعداد مناهجها الخاصة وغيرها من القرارات التي كانت محاولة لزراعة أفكار وأساليب في أرض لا يمكن أن تنبت فيها، فلا استطاع الطلاب أن يدرسوا باللغة الإنجليزية ولا استطاعوا أن يملكوا زمام اللغة العربية، فضاع الطلاب بين اللغتين، فلا هم "عرب ولا إنجليز"، وعجزت المدارس عن إعداد مناهج وكتبت دراسية ملائمة، و"غنت كل مدرسة على ليلاها"، فكانت النتيجة صاعقة على الطلاب ونتائجهم.لا شك أن فكرة "الاستقلال الفكري والمنهجي والأسلوبي والإداري"، فكرة جيدة لو حدثت في سياق صحيح وبشكل متدرج، ولو توفرت الكفاءات والكوادر العلمية والتدريسية والإدارية والإشرافية المناسبة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، فالتطبيق جاء مرة واحدة وبدون تدرج، والانتقال من حالة إلى حالة كان ارتجاليا، مما خلق عددا كبيرا من المعوقات أمام الحالة التعليمية، وغاب الانسجام بين المفاصل المختلفة من العملية التعليمية.لا أخفي عدم قناعتي بمؤسسة "راند" الأمريكية، وأرتاب دائما مما تطرحه وتحاول تسويقه، ما يدفعني إلى عدم الثقة بها وبما تطرحه من أفكار "للتطوير"، لا تعدو أن تكون "معلبات فكرية" أضرارها تفوق حسناتها كثيرا، لأنها أفكار مستمدة من بيئات بعيدة عن بيئتنا العربية التي تختلف في طريقة التفكير والتناول والمقاربات، وهذا ما جعلني أتشكك بجدوى تجربة "راند" للمدارس المستقلة التي لم تنجح في أي بلد. وهذا يتطلب من صانع القرار التدقيق جيدا في نوعية المؤسسات الدولية التي "نستشيرها" وندفع لها ملايين الدولارات.لن أقول إن تجربة وزارة التربية والتعليم القديمة كانت ناجحة تماما، مع أنها كانت أفضل من تجربة المدارس المستقلة، للاستفادة من الأخطاء وتجاوزها، وهذا يتطلب إعادة النظر بالتجربة القديمة لدراسة السياسات التربوية والإدارية وتحديد الاحتياجات من الكفاءات التدريسية والإشرافية والإدارية على أسس جديدة "أكثر صرامة ودقة"، واعتماد برامج تدريبية مستمرة للمدرسين والإداريين وتحديد هذه الاحتياجات التدريبية وربطها بالمسار الوظيفي، وهي الإستراتيجية التي تتبعها الدولة حاليا في كل وزاراتها.الأمر الآخر يتعلق بالمناهج والكتب الدراسية التي تحتاج إلى "ثورة" لتطويرها بناء على معايير عصرية جديدة تتناسب مع التغيرات السريعة في مجتمعنا والعالم، وربطها بمصادر التعلم المتعددة، خاصة الحديثة منها، وتكليف أحسن كفاءات في قطر والعالم العربي لتأليفها كي تضاهي ما هو موجود في أفضل دول العالم تعليما.لقد وفرت الدولة كل الأموال للتعليم، ولم تقصر يوما، فلدينا أفضل مبانٍ مدرسية في العالم، وأفضل غرف صفية وأفضل تجهيزات ومختبرات ولوازم وأدوات مساعدة ووسائل تعليمية، وما ينقصنا في قطر هو تطوير الكوادر المحلية إلى الحد الأقصى، واستقطاب أفضل الكوادر التعليمية في العالم العربي على أساس التقييم السنوي الصارم، فلا وظيفة لمن لا يتمتع بأفضل تقييم ممكن. لأن من شأن ذلك أن ينتج جيلا متعلما وكفؤا ومؤهلا وقادرا على حمل أعباء الوطن في المستقبل والنهوض بمتطلباته، وتخفيف أعباء الدولة المتمثلة بالقسائم التعليمية، فعندما يكون لدي عملية تعليمية جيدة، سيدرس كل الطلاب في مدارس الدولة، ولن يكون هناك حاجة لإرسال أي طالب إلى المدارس الخاصة، وبالتالي الحد من الأعباء المالية التي تتحملها الدولة، وهو قرار لا مفر منه مع انخفاض العائدات بسبب انخفاض أسعار النفط.