11 سبتمبر 2025
تسجيلإن بناء الحضارة واجب لا ينصب على الدول فحسب، ولكنه واجب الدول والشعوب، واجب يستوي فيه الكبير والصغير، والغني والفقير ولا يستثنى منه أحد، فلا تبنى الحضارة بمعناها الإنساني إلا بوجود الإيمان، فمهما تطورت المدنية الحديثة ومهما استخدمت من تقنيات حديثة ومهما عملت لتطوير آلياتها ليل نهار تبقى ضعيفة من داخلها إذا خلا باطنها من عظمة الإيمان ونور اليقين المبني على أسس الإسلام الصحيحة، ومهما أردنا أن نبني حضارة من غير إيمان فإننا واهمون فهدي الإسلام وتعاليمه هو طريق الحضارة والرقي والتقدم، لذا تجد هدي الإسلام يهتم بالحث على طلب العلم وحب التعلم فعندما نقرأ قوله تعالى «اقرأ باسم ربك الذي خلق» عندئذ نتذكر غار حراء ومكث النبي صلى الله عليه وسلم فيه متفكرا متدبرا في الكون، فكانت نبرات الوحي تذكر الحبيب بالقراءة لأنها الطريق إلى المعرفة والعلم وهي غذاء العقول فلبى الحبيب النداء بالقراءة باسم الخالق العلي منزل القرآن وخالق الإنسان معلمه البيان، فكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة للعلم والقراء والمعرفة، ومن مظاهر هذا التكريم أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه اعتبر الطريق الذي يسلكه طالب العلم للتعلم طريقا موصلا إلى الجنة،»فمن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» فالإيمان وقود الحضارة الإنسانية ومن غير هذا الإيمان لا تتحرك مركبة الحضارة، فعلى درب هذه التوجيهات الإسلامية في رفع الإسلام لمنارات العلم وشعار المعرفة.فلقد كان المنهج النبوي يعتمد على إعداد جيل يفكر ويبدع ولا يقف عند حد حفظه المسائل والمعارف ثم ينساها فكانت تربيته لأصحابه لونا آخر يختلف عن ذلك ففي ميدان العلم علمهم على الجد والاجتهاد فهو الذي يعلم معاذا ماذا يفعل عندما أرسله إلى أهل اليمن وقال له "بم تحكم قال بكتاب الله فإن لم تجد فبسنة النبي صلى الله عليه فإن لم تجد قال أجتهد رأي ولا آلو فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله" وغير ذلك من المسائل التي تحتاج إلى قادة مفكرين مبدعين ليسوا عبيدا مقلدين، فأين نحن من هذا الهدي التربوي من التربية النبوية العظيمة،فالكل عليه مسؤولية عظمى وتتمثل هذه المسؤولية في الشعور الصادق لدى كل واحد منا بالمسؤولية وحينما يتلاشى هذا الشعور يعيش كل واحد منا حالة الأنانية، فكل منا مسؤول عن نفسه وأسرته وعن صحبه وإخوانه ومجتمعه ووطنه، ومسؤول عن بلده وعن زهرة زرعت في حديقة وعن نظافة طريق قد وضع ليسير الناس عليه، فهذا الشعور الصادق ينبغي أن نربيه في أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، وأن ندعمه في شبابنا وأن نكون حاضرين معهم، إنه الشعور بالمسؤولية، لذلك كرم الله سبحانه الإنسان بالعقل والحواس لأنهما الطريقان إلى المعرفة واستجلاء الحق والحقيقة واكتشاف عظمة الله في دقائق الكون وإبداع الحياة وكرمه أيضا بالاستخلاف في الأرض كما هو واضح في قوله سبحانه وتعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة:30،أي أنه يسير على وفق ما أراده الله تعالى والذي يريده الله منه أن يكون سيد هذه الأرض ومالكا لزمامها ومستخرجا لدفائنها ومتجليا لكل سر فيها، وهذا لا يتأتى إلا أن يسلك سبيل العلم والمعرفة ويبحث بعزم وصدق عن كل ما يتصل بفنون الكون نواميس الحياة،فمن تكريم الله تعالى للإنسان تسخير الكون له وجعل الطبيعية كلها تحت تصرفه،وهذا مما بينه القرآن الكريم أوضح بيان، يقول تعالى: (وسخرلكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الجاثية: 13،وما دام أن هذا الكون مسخر للإنسان ومذلل له فعليه أن يستخدمه لخدمة الإنسانية ومصلحة الحضارة وارتقاء الحياة، فالمسلم يبقى دوما ينور عقله بالجديد من مستحدثات ذلك العلم بالمطالعة الدائبة والاطلاع المستمر في شتى ألوان العلم ومعارفه،فيكون عنصرا فعالا في وطنه فينفع نفسه وينتفع به الناس من حوله،فيرفعه ذلك إلى أعلى مراتب المجد والشرف وترتفع أمته بارتفاع دعوته إلى الشأو الذي بلغه ما دام يمثلها في إخلاصه وجده ودأبه وما دام ينطلق من الروح التي أشاعها الإسلام في جو العلم إذ جعله فريضة يتقرب بها فاعلها إلى الله يسعد بها نفسه ويبني بها حضارته العظمى.