17 ديسمبر 2025
تسجيلللجيش المصري وللسياسة تاريخ طويل وحافل من المواقف والمتناقضات والتطورات التي رسمت منحنياتها الصورة العامة لتاريخ مصر الحديثة، وسفينة انقلاب 3 يوليو 2013 العسكري التي رست أخيرا في مرفأ حسم الموقف المتردد والإعلان المباشر عن النية المعروفة باستمرار هيمنة المؤسسة العسكرية المصرية على شؤون السلطة والحياة في مصر المحروسة قد أكدت بشكل نهائي وحاسم ومباشر وبعد ترفيع الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع وقائد الانقلاب العسكري لرتبة مشير وهي أعلى رتبة قيادية سامية في الجيش المصري بأن نهايات ملف إدارة الصراع الداخلي قد حسمت أوراقه بالكامل وبات (المشير) السياسي هو الرئيس القادم والسادس للجمهورية المصرية منذ انقلاب 23 يوليو 1952 ضد عرش أسرة محمد علي وتحول مصر لإقطاعية عسكرية خالصة تحت رنين الشعارات الحماسية، ولكن المفارقة في الموقف الحالي هو أن ضابطا يحمل رتبة مشير سيكون لأول مرة في تاريخ مصر رئيسا لها! وهي مفارقة في غاية الغرابة!؟ فالرئيس الأول للجمهورية المصرية عام 1953 كان قائد الانقلاب محمد نجيب وكان برتبة لواء أركان حرب!، والرئيس الثاني لمصر وهو جمال عبدالناصر خلع بدلته العسكرية بعد أن توقفت رتبته عند محطة (البكباشي) أي المقدم ركن!، وفضل قضاء بقية عمره ببدلة السياسي كرئيس للجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، والرئيس الثالث أنور السادات ودع العسكرية عند رتبة المقدم أيضا وانخرط في الحياة الإعلامية والبرلمانية ثم نيابة الرئاسة عام 1969 قبل أن يكون رئيسا عام 1970 بعد رحيل عبدالناصر، أما الرئيس الرابع وهو حسني مبارك فقد كان برتبة فريق طيار ولم يصل أو يرفع نفسه لمنصب المشير، أما الرئيس الخامس محمد مرسي فهو المدني والأكاديمي الوحيد الذي حكم مصر بعد انتخابات شعبية حرة ونزيهة عام 2012.لقد تحولت المؤسسة العسكرية عن مهامها الدفاعية لتكون جزءا فاعلا من إدارة الحياة العامة في مصر، وكان الصراع صامتا بين الرئيس والمشير حتى تم حسمه نهائيا بعد هزيمة 5 يونيو 1967 وضياع الجيش والطيران المصري بالكامل في تلك الحرب الكارثية ومن ثم اشتداد سخونة الصراع بعد محاولة أنصار المشير عامر قيادة انقلاب عسكري لم ينجح وكانت نتيجته تصفية المشير بسم الأكونتين في سبتمبر 1967 وانهيار قلعته الحصينة وعناصره في الدولة وأبرزهم رئيس المخابرات صلاح نصر وتولي الفريق محمد فوزي مسؤولية قيادة الجيش المصري وأمين هويدي (رجل المخابرات) وزارة الدفاع حتى رحيل عبدالناصر المفاجئ في سبتمبر 1970 ووصول أنور السادات للرئاسة والذي استطاع تصفية التركة الناصرية في 15 مايو 1971 وتركيز السادات على ملف تحريك الموقف العسكري وإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم في 6 أكتوبر 1973 وعبور قناة السويس ثم إعادة فتحها للملاحة الدولية عام 1975 وقد برز وقتذاك دور وزير الدفاع الراحل (المشير) أحمد إسماعيل علي الذي كان مهنيا وبعيدا عن السياسة، وبعد رحيله جاء بعده المشير كمال حسن علي ثم المشير عبدالحليم أبو غزالة في عهد مبارك وكان موقعه متميزا في هرم السلطة قبل أن تطيح به تلك القضية النسائية الشهيرة لينتهي آخر المارشالات المصريين، حتى جاء المشير محمد حسين طنطاوي بشخصيته الهادئة وحيث رضي بالانسحاب التام من الحياة العامة بعد انتخاب مرسي ليختفي ذكره رغم دوره الحاسم والحساس في ثورة 25 يناير 2011، كل المؤشرات تؤكد أن عبدالفتاح السيسي سيكون المشير الأول في تسلسل رؤساء جمهورية مصر!، وهو أمر له مغزاه ومعانيه ودلالاته!، ولكن هل سيتمكن الرئيس المشير من قيادة مصر نحو بر الأمان في زمن الانقلاب، وهل بتصدر العسكر العلني لسدة الموقف القيادي في مصر سيرسم خارطة طريق مستقبلية لحياة ديمقراطية سليمة؟ أم أن مصر ستظل تدور في الفراغ وتبحر في عوالم المجهول!! وحده شعب مصر من سيرسم النهايات الحقيقية للتراجيديا المصرية.