20 سبتمبر 2025
تسجيلحينما تحدث القرآن الكريم عن سحرة فرعون، كان المعنى يشير إلى أولئك الذين يسعون إلى تضليل الناس ومنعهم من اتباع نبي الله موسى، من خلال القيام بأعمال سحرية تظهر النبي وكأنه يريد سحرهم لإبعادهم عن دينهم الحق وإلههم فرعون.وحتى يتحقق الهدف الذي يسعى إليه فرعون بتجنيد السحرة، اختار يوم احتفال شعبي، وهو يوم الزينة الذي يجتمع فيه المصريون من كل حدب وصوب، حتى تصل الرسالة إلى الجميع وليس إلى فئة دون أخرى، حتى لا يبقى أحد يمكن أن يناصر عدو فرعون.وبعد الهزيمة التي لقيها فرعون بعد أن آمن سحرته حينما رأوا أن موسى النبي ليس ساحرا كما أشاع هو وزبانيته، بل هو رسول من عند الإله الحق، لم يذكر القرآن شيئا عن الشعب المصري، وهل آمن بتلك النبوة أم لا. لكن ما يفهم من ثنايا القصة أنهم استمروا على ضلالهم، متبعين فرعون رغم البينة التي ظهرت أمام أعينهم، ودليل ذلك هروب بني إسرائيل ناحية البحر بدلا من هروب فرعون.وها هي القصة تعاد كتابتها من جديد، مع وصول العسكر إلى حكم مصر في بداية خمسينيات القرن الماضي، حيث أصر الفرعون الجديد جمال عبد الناصر على امتلاك ناصية سحرته، والذين تمثلوا في الإعلام الذي استطاع بالفعل أن يسحر الناس تماما، كما فعل سحرة فرعون، إلى الدرجة التي جعلت الناس يصدقون أن الفرعون الخائن هو الذي حرر البلاد من نير الاستعمار، وأن كل حروبه التي خسرها هي انتصارات مجيدة، بل دفعهم دفعا إلى الخروج للمطالبة باستمراره في الحكم بعد أكبر هزيمة لقيتها البلاد على يد أحقر عدو لها عبر التاريخ. واستمر تأثير الساحر الجديد مع مجيء فرعون آخر وثانٍ وثالث، حتى أصبح الناس عبيدا يسمعون ويطيعون، ليس فقط للفرعون، بل لسحرته الذين أفقدوه عقله وجعلوه مجرد آلة تسير وراء ما يردده الساحر.ووصل الأمر إلى ذروته بعد ثورة يناير التي حاولت أن تحرر الإنسان المصري من سحر السحرة، حيث استطاع الإعلام تحويل الثورة إلى نكسة وخلق الكراهية لها في قلوب عبيد الفرعون الجديد الذي استغل الفرصة للانقضاض عليها وتقتيل أبنائها بعد السيطرة على السلطة مرة أخرى. ويمكن أن نشير إلى مثال بسيط للمدى الذي وصل إليه الإعلام في السيطرة على عقول الناس وإلغائها لتكون تحت إمرة الفرعون. وهو المتمثل في قضية "أبلة فاهيتا" ولمن لا يعلم عن القضية شيئا، فهي باختصار تشير إلى قيام سلطات الانقلاب بتوجيه أصابع الاتهام لإعلان تلفزيوني لإحدى شركات الاتصالات الخاصة باعتباره يحتوي على شفرات تبثها جماعة الإخوان لأعضائها لتنفيذ عمليات إرهابية. وكأن الجماعة التي يمتد وجودها بطول البلاد وعرضها وكانت منذ ستة أشهر تسيطر على السلطة كاملة، لا تملك وسائل الاتصال بين أعضائها الذين يخرجون ليل نهار مع باقي أطياف الشعب للتظاهر ضد الانقلاب العسكري.ويكتمل المشهد المأساوي بفيديو لجنازة ضابط الجيش الذي قتل في سقوط طائرة في شبه جزيرة سيناء منذ أيام، والذي تتحدث فيه زوجته، حيث تؤكد عن قناعة تامة أن جماعة الإخوان هي التي قامت بتنفيذ عملية إسقاط الطائرة بعد أن وصلتهم الإشارة من أبلة فاهيتها.تثبت الأحداث يوما بعد يوم أن إصلاح الأوضاع في مصر يتطلب إصلاحا شاملا للمجتمع، يبدأ بشكل متوازٍ من السلطة والإعلام والقضاء وأجهزة الأمن التي تسيطر بشكل فعلي على الإنسان المصري الذي أصبح أسير سحرها.