22 سبتمبر 2025
تسجيلالأصدقاء الأوفياء عملة نادرة في هذا الزمان، وربما في كل الأزمنة، ولكنهم في هذا الزمان أكثر ندرة نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البشرية في تاريخها الطويل، وما صاحب ذلك من تراكمات أخلاقية أفرزت سلوكيات معينة، تنسجم مع التفجر السكاني الذي يعيشه العالم، وما صاحب هذا التفجر السكاني من تحولات ديموغرافية شملت سكان الكرة الأرضية دون استثناء، حتى اعتبر الخل الوفي من المستحيلات كالغول والعنقاء، وإن لم يعد هذا العصر يعرف المستحيلات بعد أن أوغل العلم كثيرا في اختراعاته واكتشافاته الأبعد من الخيال والأكبر من التصور. لكن ثمة أناس يملكون قدرة عجيبة على فقد أصدقائهم، والتضحية بهم ربما عن قصد أو عن غير قصد، فالنتيجة واحدة، ومع أن الصداقة لا تبنى بين لحظة وأخرى لكن هدمها لا يحتاج إلا لهذه اللحظة والأخرى لينهار صرح الصداقة الذي كلف بناؤه الكثير من الثمن والزمن، وربما حققت الصداقة بين اثنين ما لا يتحقق بين شقيقين.. من الألفة والمحبة والتضحية والمساندة في الملمات والحاجة، فكيف يمكن التضحية بكل ذلك في لحظات نتيجة تصرف عشوائي من أحد الطرفين، يقابل بالحدة والرفض ثم القطيعة من الطرف الثاني؟ ربما لأن أحد الطرفين لا يتوقع الخطأ من صديقه، فإذا وقع هذا الخطأ غير المتوقع كانت ردة الفعل حياله من الطرف الثاني عنيفة وحادة لأنه لم يتوقع هذا الخطأ، وبعيدا عن التعقل أو التروي يحدث ما لا تحمد عقباه من الخصام والتنافر والقطيعة التامة، ومع ذلك فهناك من يرتكب الخطأ فيجد من صديقه التسامح والبحث عن الأسباب، فإن كان هو مصدرها تحاشاها مع الاعتذار والأسف، وإن لم يكن هو سببها كان عونا لصديقه على اكتشاف السبب، والعمل على تجاوزه ما أمكن إلى ذلك سبيلا. مقابل ذلك هناك ذلك النوع من الأصدقاء الذي تنطوي نفسه على قابلية كبيرة للانفعال المباشر الذي يؤدي إلى القطيعة السريعة، وكأن الصداقة علاقة عابرة يمكن التضحية بها في أي وقت، وهذه في الحقيقة ليست صداقة بما تعنية الصداقة من عمق العلاقة، ومتانة الثقة، وقابلية التفهم، والاستعداد للتضحية، وهذا يعني أن من يهجرك دون ان تسيء إليه، فليس له أن تأسف عليه، لأنه لم يقدر الصداقة وما تعنيه من حرص شديد على استمرار هذه العلاقة الوجدانية التي بها تجمل الحياة، فالعلاقات الإنسانية الحميمة هي وسيلة الحياة الهانئة، وأداة العون على منغصات الدنيا، وما تحفل به من إحباطات تحيط بالإنسان إحاطة السوار بالمعصم، وأن تخسر صديقا، فهذا يعني أن تخسر جانبا مضيئا من جوانب علاقاتك الإنسانية التي تسعى لبنائها من كل من تتوسم فيهم الخير، وتتوقع منهم المحبة، وترجو منهم العون لبناء علاقة تتسم بالصدق والوفاء والتضحية. ولأن الصداقة عملة نادرة، فمن خطل الرأي وخطأ الموقف، أن نضحي بها لأتفه الأسباب، بل حتى أعظم الأسباب يمكن أن تكون مدعاة للتفاهم والبحث عن جذورها وخلفياتها التي ربما لا تبدو واضحة أمام أحد الطرفين، وعلى الطرف الآخر أن يكشفها لصديقه إن كان حريصا على صداقته، فلعل له عذرا ينفي سبب اللوم، وما أكثر الحالات التي أدى الجهل بأسباب القطيعة فيها، إلى نهاية مؤسفة، بينما الكشف عن تلك الأسباب ربما أدى إلى الصلح وعودة المياه إلى مجاريها بين الطرفين، لذلك قال الشاعر: لك الله لا تذعر صديقا بغضبة لعــل له عــذرا وان تلوم وقال آخر: تأن ولا تعجل بلومك صاحبا لعل له عــذرا وانت تلوم. فهل يسهل عليك بعد ذلك ان تضحي بصديقك، وتنسى قول من قال: أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتمو [email protected]