11 سبتمبر 2025
تسجيلبعد ساعات قليلة، نعانق العام الجديد 2016 وثمة تساؤل يدق الرؤوس: هل سنشهد أحوالا مغايرة لأحوالنا في العام 2015، والذي اشتدت فيه وطأة الأزمات والمكابدات والأوجاع في الأمة، فباتت الدماء المسفوكة في الصباحات والمساءات عنوانا لها، واستمرت حالة التشظي ومتوالية الانقسامات، على أسس مذهبية وطائفية وعرقية، وكأن لا روابط وثيقة فيما بين شعوبها وأقطارها، تفاعلت التطورات، فبلغت ذروتها حيث القتل والتدمير والخراب في عدد من البلاد، فضلا عن التهجير القسري للخارج، أو النزوح الإجباري في الداخل، مع تصاعد الحالة الإرهابية وتمددها عبر تنظيم داعش وأخواته في مفاصل محورية من الأمة، لاسيَّما في العراق وسوريا ثم ليبيا، والأخطر من كل ذلك بروز عامل التدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية على نحو خطير، فأضفى المزيد من التفاقم والتعقيد والإرباك في أزمات الأمة، عوضا عن أن يسهم في بلورة مقاربات لحلها وتجاوزها.لا شك أن الزمن خلال الانتقال من العام 2015 إلى العام 2016 متداخل، حيث يصعب إيجاد فواصل ومسافات واضحة ومحددة، ومع ذلك ثمة حلم يسكن العقول والقلوب والوجدانات في أن يكون العام الجديد مختلفا، أو على الأقل تبرز فيه سمة التعقل وامتلاك أطراف الأزمات القناعة الحقيقية، بأن خيار الدم لن يقود إلى فرض معادلة أي منها على الآخر، إن لم يسهم في المزيد من سفكه وضحاياه، قتلا وإصابة وتشريدا.هل ثمة إشارات توحي بذلك؟ هي ليست بالوضوح الذي يمكن التعويل عليه بنسبة عالية، لكنها تنبئ عن قدر من التحول وهو ما تجلى في الأزمة السورية وكذلك الأزمة الليبية، فضلا عن الأزمة في اليمن، ثمة نزوع، أقول نزوعا، باتجاه المقاربات السياسية، وإن لم تنضج تماما، بيد أنها تؤشر إلى حالة من التذمر لدى أطراف هذه الأزمات بعد كل ما جرى من قتل وتدمير متبادل وتوالي الخسائر في البشر والحجر والأوطان، بالإضافة إلى تبلور مواقف إقليمية ودولية راغبة، في حلحلة هذه الأزمات المتصاعدة في المنطقة، لاسيَّما مع تمكن تنظيم داعش من فرض معادلاته بقوة غير مسبوقة، هددت مخاطرها أوروبا القريبة من الوطن العربي، وكان آخر تجلياتها ما شهدته عاصمة النور باريس من هجمات، شاب لها ولدان فرنسا وشقيقاتها في الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة، والتي يعتبرها داعش أهدافا مشروعة لعملياته مثلما صرح غير مرة، مما أشعل حالة من التعاضد الدولي نشطت الحراك العسكري، باتجاه القضاء على داعش بمساهمات جوية أكثر قدرة على التأثير، وإن لم يكن بمقدورها وحدها حسم الأمور على الأرض، في ظل احتماء عناصر التنظيم بشبكة من الأنفاق، والتداخل مع السكان وإجادة فنون التمويه، مما يقلل من فعالية الضربات الجوية، التي لم تؤد منذ بدء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى الإجهاز عليه، كما كان متوقعا.غير أن الحلم بمقاربات سياسية لأزماتنا المشتعلة في العام الجديد، قد يبدو بمنأى عن التحقق، بفعل استمرار التناقضات فيما بين أطرافها، وتدخل أطراف دولية على طريقة الدبة التي تقتل أبناءها مثلما حدث يوم الجمعة الفائت، من إقدام الغارات الروسية التي أعلن أنها موجهة لتنظيم داعش، بينما هي في حقيقة الأمر لا تميز بين داعش والتنظيمات المسلحة المعتدلة على اغتيال قائد تنظيم "جيش الإسلام " في سوريا، والذي شارك في اجتماع قوى المعارضة مؤخرا في الرياض، بما يعني موافقته على العملية السياسية وهو ما سوف تكون له تداعيات سلبية على مشاركة هذه النوعية من الفصائل المعتدلة، في جنيف 3 المرتقب خلال يناير المقبل، وفي اليمن ثمة أطراف إقليمية تدفع المتمردين إلى الاستمرار في حالة خرق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس عبد ربه منصور هادي، لتوفير أجواء مواتية لمفاوضات سياسية في سويسرا، من المفترض أن تتواصل بعد انقضاء إجازات أعياد الميلاد في أوروبا. وفي الأزمة الليبية ما زال أهم طرفين فيها، وهما رئيسا مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام يرفضان الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه في مدينة الصخيرات المغربية مؤخرا، ولأنهما يمتلكان القوة على الأرض فقد يعرقل موقفهما تطبيق الاتفاق، وهكذا يتبدد الحلم في عام مختلف، إن لم نلجأ إلى خيار العقلانية، والبحث الجاد عن أسس لمصالحات وطنية حقيقية والتفهم لاحتياجات مختلف الأطراف في الوطن الواحد. ملاحظة: لم أتطرق إلى قضيتنا الرئيسية – فلسطين – فشعبها بكل فئاته، وفي المقدمة منها الشباب والفتيات، يواجه - بعيدا عن إسناد عربي إلا من رحم ربي – يواجه آلة القتل الصهيونية وهجمات قطعان المستوطنين المصابين بهوس الهيكل، وقيامهم بصورة تكاد أن تكون يومية بتدنيس قدس أقداس فلسطين – المسجد الأقصى المبارك – لقد فجر هذا الشعب انتفاضة سلمية ثالثة، لن تخمد جذوتها، حتى تفرض معادلتها على عدو لا يؤمن إلا بالقوة، والتي يجيد استخدامها بصورة مفرطة ومن ثم لن يفلح معه إلا خيار القوة المستمد، من حراك شعبي وشبابي سلمي على الأقل في هذه المرحلة.