26 سبتمبر 2025

تسجيل

أروع مقطع في الحفل فيديو ملعب الستينيات

28 نوفمبر 2022

تأثرت بصدق العاطفة وطغيان مشاعر الذكريات حين فوجئت بدقائق الفيديو تعيد للشباب القطري والعربي صورة ذلك الشاب بل وهو يرتدي قميص فريقه ويدحرج الكرة في ملعب مرتجل على الأرض الكلسية القطرية المباركة لا عشب فيه ولا مدرجات، وأذكر أن من بين اللعيبة الأوائل الزميل د. سيف الحجري. فمن هو يا ترى ذلك اللاعب المتحمس الذي سجل هدفا في مرمى الفريق المقابل وارتسمت على وجهه الصبوح ابتسامة صافية تلقائية بارك الله فيمن سجلها بكاميرا 16 مليمتر الخفيفة؟ هو اليوم نفس الرجل الذي قام لتحيته 60 ألفا من الجماهير داعين له بالصحة وطول العمر حين دخل ملعب البيت في افتتاح المونديال وهو أيضاً الرجل الذي قام لتحيته بتقبيل يده حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد في مشهد قطري عربي مسلم من أخلاق البر وتقدير الوالدين وتوارث هذا المجد العربي الإسلامي الأصيل. ذلك الرجل ذو القامة السامقة ونفس ابتسامة الرضا هو صاحب السمو الأمير الوالد حفظه الله ورعاه وهو يوقع القميص الذي كان يرتديه أيامها والذي أهدته الدولة لجميع الحضور. الشباب القطري الذي يعيش شهراً من بطولة الكأس بحماس ووطنية لم يولد بعد في السبعينيات وهي المرحلة المؤسسة لاستقلال الدولة وصانعة تميزها، ففي تلك الأيام كتب الله لي أن أزور الدوحة (تحديدا في نوفمبر 1977) وسبب زيارتي مع وزيرنا التونسي الظريف رحمه الله عزوز الرباعي أحد رفاق كفاح الحركة التحريرية الشجعان (عرف سجون الاستعمار في 9 أبريل 1938 وهو طالب في الصادقية) وكان أيامها في السبعينيات رئيساً ومديراً عاما للدار التونسية للنشر وهي المؤسسة الحكومية المكلفة بنشر الكتب التونسية والعربية في مطبعتنا العصرية في حي باب سعدون فنشرنا لفضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور كتابه الشهير (تفسير التحرير والتنوير) ونشرنا أفضل ترجمة لمعاني القرآن الكريم بجهود العلامة الناسك الشيخ الصادق مازيغ، ثم أصدرنا عيون التراث الإصلاحي التونسي مثل كتاب الوزير خير الدين باشا (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) الذي استلهم منه إخوتنا المصلحون المصريون والسورين أمثال رفاعة الطهطاوي ورشيد رضا ثم الأخير عبد الرحمن الكواكبي صاحب (طبائع الاستبداد) ولم نهمل الروايات ودواوين الشعراء التونسيين فنشرنا أكثرها ثورية وجرأة أدبية مثل (الدجلة في عراجينها) للبشير خريف وديوان الشاعر الميداني بن صالح (قرط أمي) ورواية محمد صالح الجابري (يوم من أيام زمرا) وكانت مجلة الفكر بإدارة محمد مزالي تتحدى الأدب التقليدي (الرسمي) وتنشر (الإنسان الصفر) للكاتب الغاضب عز الدين المدني. وأعود إلى رحلتنا للدوحة عبر طيران الخليج للمشاركة في المعرض العربي للكتاب الذي تنظمه وزارة التربية والتعليم في قاعة صغيرة باللقطة نبيع كتبنا نحن والمصريون واللبنانيون والسوريون ثم تقتني منا وزارة التربية ما تبقى لدينا من كتب لم تبع. والله ذكريات من أجمل ما عشت في دوحة صغيرة يتعايش فيها كل الناس منذ نصف قرن حينما زرتها وتفوح منها رائحة الخبز الزكية، وكنت أسكن لمدة عشرة أيام فندق (بسم الله) في سوق واقف طبعا بشكله القديم قبل الترميم وقبل إعادة تأسيس السوق الذي تعرفونه وسوف يصدمكم سعر الليلة في الفندق: (5 ريالات كاملة... نعم لم تخطئوا القراءة! خمس ريالات كنا لا نتهاون بها ونحافظ عليها كما تفعل أنت اليوم بورقة الـ 500)، المهم أني بعد 10 أيام بلياليها أدفع للبنغالي المسؤول عن تسيير الفندق خمسين ريالا... بحالها! فشكوت الغلاء للبنغالي الذي تفهم شكواي ووعدني أن يكرمني يوميا بطبق مجبوس أو برياني للتخفيف من "بلواي"! في ذلك العام استضافنا سعادة سفير تونس وهو السيد عمار السويدي في بيته وأعدت لنا السيدة حرمه كسكسي بالهامور بما معناه أن العلاقات الدبلوماسية الأخوية بين تونس وقطر كانت على مستوى السفراء ثم نصحنا رجال من نخبة قطر أن نحضر مجالس علماء قطر فكانت لنا سهرات من أرقى وأرفع المجالس الأدبية والفكرية الدينية في بيت فضيلة الشيخ عبدالله الأنصاري العامر وهو في نفس مكانه نهاية شارع النصر وهو نفس البيت الذي زرته مرات عديدة هذه السنوات بدعوات كريمات من أنجاله حفظهم الله عبدالرحمن وأصغرهم سنا أحمد من أفضل طلاب الإعلام في التسعينيات، كما أزور مكتبة الشيخ عبدالله وهي الواقعة أمام مجمع الميرة في طريق الجامعة مع العلم أن قطر تسمي الثلاثي الحاملين لكتاب الله بالعبادلة الثلاثة: عبدالله الأنصاري وعبدالله آل محمود وعبد الله السبيعي رحمهم الله تعالى كما تعرفت أيامها على عميد الصحافة القطرية والخليجية السيد ناصر العثمان الذي كان لي أيام اضطهادي بعد سنوات نعم السند ونعم الصديق عند الضيق أطال الله عمره في الصحة والعافية والعطاء. كما تعرفت في معرض الكتاب على الكاتب السوداني الأشهر بروايته (موسم الهجرة إلى الشمال) الطيب صالح رحمة الله عليه وكذلك أحد المثقفين القطريين في شبابه يوسف الدرويش.. كل هذه الذكريات الرائعة ظلت عالقة بالذهن، وأعادني إليها ذلك المقطع الصغير لصاحب السمو الأمير الوالد حفظه الله ورعاه وهو يلعب كرة القدم.. رمزاً إلى أن كرة القدم عريقة ومتجذرة في هذه البلاد. حيا الله بمناسبة مونديال 2022 كل قطري وكل مقيم ويا رب اجعل هذا البلد آمناً متمسكاً بهويته وأصوله لم يتنازل عنهما أثناء المناسبة العالمية.