13 سبتمبر 2025

تسجيل

قبرص تبحث عن حل مستحيل (5)

28 نوفمبر 2014

سيطرت حالة الجمود هذه على كل مناحي جزيرة قبرص منذ أربعة عقود بين طرفي الجزيرة، وسادت حالة "التجلد الكامل وحوار الطرشان" بعد جولات من المفاوضات العبثية بين القبارصة الأتراك واليونانيين. إلا أن الأوضاع عادت إلى التسخين ثانية بعد اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز في البحر الأبيض المتوسط في المياه الإقليمية التي تشترك فيها قبرص وتركيا ولبنان وفلسطين ومصر، ومحاولة "قبرص اليونانية" التصرف بمعزل عن القبارصة الأتراك في جمهورية قبرص التركية، والشروع في توقيع اتفاقيات مع الكيان الإسرائيلي ومصر من دون أن يكون ثلث سكان الجزيرة وهو القبارصة الأتراك، شركاء في تقرير مصير هذه الثروات، الأمر الذي أثار تركيا ودفعها إلى إرسال سفن حربية إلى المنطقة ومنح هذه السفن صلاحية إطلاق النار والاشتباك في حال أقدمت أي سفينة على الحفر في المياه القبرصية، ودفعت بإحدى سفن الأبحاث التركية إلى المياه الإقليمية، مما رفع من سخونة الأوضاع في منطقة شرق المتوسط، ونقل الوضع من "السلام الحذر والهدوء القلق" إلى "وضع اليد على الزناد" لإقناع القبارصة اليونانيين أن المسألة هذه المرة تختلف عن سابقاتها، وأن الطريق إلى الحرب واستخدام القوة مشرعة من أجل الحفاظ على الحقوق التركية وحقوق القبارصة الأتراك في ثروات جزيرتهم ومياهها الإقليمية، وإقناع اليونانيين بعدم تجاهل حقوق القبارصة الأتراك، مما ينذر بتحول الحالة إلى صدام عسكري مباشر بين تركيا واليونان، وهو ما يعيد الوضع في قبرص إلى المربع الأول بين الطرفين.إشكالية القبارصة اليونانيين أنهم يلعبون لعبة خطرة مع كل من الكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين ومياهها الإقليمية ومصر، وعمدت إلى ترسيم الحدود البحرية مع كل من الكيان الإسرائيلي ومصر من دون أن يكون للقبارصة الأتراك أي رأي في الموضوع، مدعومين بموقف أوروبي وأمريكي وذلك للسيطرة على كل حقوق الغاز، وهي سيطرة سيستفيد منها القبارصة اليونانيون والكيان الإسرائيلي فقط، في حين ستخسر مصر ولبنان وتركيا وفلسطين المحتلة "قطاع غزة" حقوقهم، ولذلك عمدت قبرص اليونانية والكيان الإسرائيلي بفرض أمر واقع وبدأتا ببسط نفوذهما بدعم أمريكي من أجل استغلال بعض هذه الحقول حين دون ترسيم الحدود بشكل رسمي في الحدود المائية المتشابكة، وعمد الكيان الإسرائيلي إلى رسم خط وهمي للحدود المائية مع لبنان يحرم لبنان من ثرواته، وهو ما يمكن تسميته بـــ "وضع اليد" على الثروات في حقول النفط والغاز من قبل الكيان الإسرائيلي وقبرص اليونانية دون أي اعتبار للأطراف الأخرى خاصة لبنان وتركيا وقبرص التركية وأيضا مصر، وذلك بعد ترسيم الكيان الإسرائيلي الحدود المائية مع قبرص اليونانية في المتوسط، في واحدة من أكبر عمليات "اللصوصية العلنية" في العالم، وهو ما لم تسكت عليه أنقرة بالطبع.لكن الغريب أن النظام الانقلابي في مصر أقدم على توقيع حقوق مع قبرص اليونانية تهدر حقوق مصر في غاز المتوسط، واحتفل بالتنازل "الأحمق" عن ثروات الشعب المصري لليونان ووقع اتفاقا ثلاثيا مع "اليونان وقبرص اليونانية" نكاية بتركيا التي لا تعترف بالنظام الانقلابي العسكري في مصر، إضافة إلى محاولة بناء تحالف "مصري إسرائيلي قبرصي يوناني" ضد تركيا، لعزلها وحشرها في الزاوية، وهي الاتفاقية التي يرى إبراهيم يسري، المدير السابق لإدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية بالخارجية المصرية، ومنسق حملة "لا لبيع الغاز المصري لإسرائيل"، أنها باطلة وفق القوانين الدولية وأنه لا قيمة لها من الناحية القانونية، وأنها تشكل تفريطا بالحقوق المصرية، كما اتهم المهندس ربيع ياغي، الخبير النفطي ومستشار لجنة الطاقة بمجلس النواب اللبناني، قبرص اليونانية بلعب دور خطر أكبر من حجمها، والتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي بترسيم الحدود المائية على حساب لبنان، دون استشارة لبنان.هل يمكن أن تتحول مياه شرق المتوسط إلى ساحة حرب بين تركيا واليونان على ثروات النفط والغاز؟ هذا أمر ممكن ومحتمل، لأن تركيا وضعت اليد إلى الزناد، وأعلنت "بالعين الحمراء" أنها ستقاتل دفاعا عن حقوق شعبها وحقوق القبارصة الأتراك، وهو تسخين لابد وأن يدفع باتجاه إذابة الجليد الذي يهيمن على قبرص من 56 عاما.