19 سبتمبر 2025

تسجيل

حدائق الأفكار

28 نوفمبر 2014

الأفكار صانعة التغيير وباعثة النهضات، أم الاختراعات والاكتشافات، ربيبة الفلاسفة وابنة العلماء وخليلة الشعراء والأدباء.بعض الأفكار جامحة كفرس لم تروض، وبعضها هادئة كجدول صغير، بعضها موجعة كلسعة سوط، وبعضها جميلة كنسمة صباحية، بعضها ترياق شفاء وبعضها زفرة احتضار.الفكر ميزة البشر الكبرى الذي تمكنوا من خلاله من السيطرة على العالم وترويض الطبيعة، فبالتفكير توصل الإنسان الى اكتشاف الكون ومعرفة قوانين الرياضيات والعلوم بأنواعها، وبالفكر ابتدع البشر الفن والأدب والنظريات الاجتماعية والاقتصادية ولولا التفكير لما تعلم الإنسان كيف يشعل النار ويزرع الأرض ويكتب رموزه وحروفه الأولى ويصهرالمعادن ويشكلها ولما شيد المباني العظيمة والصروح الشاهقة ولما تطور في مراحل الحضارة المختلفة.وكما ربط رينيه ديكارت وجوده كإنسان على وجه الأرض بالتفكير، فقال مقولته الشهيرة (أنا أفكر إذن أنا موجود).واقتناص الفكرة أو التقاطها ليس مربط الفرس لكن تحويلها إلى عمل إبداعي هو العملية الشاقة التي تواجه المبدع الذي يجتهد ويعمل فكره ويستجمع خياله وحواسه في مخاض إبداعي جميل، ولسان حاله يقول بعدما ينتهي من عمله كما قال أرخميدس قبل أكثر من ألفي عام (أوريكا، أوريكا) أي (وجدتها، وجدتها).وإذا كان أديب العربية الأكبر الجاحظ قد قال في لحظة تجلي (الأفكار ملقاة على قارعة الطريق)، ويقصد أن على اللبيب من الناس أن يلتقط أفكاره من الحياة التي تعج بالأفكار والحكم وينجح في الوقت نفسه في تحويلها إلى عمل ما، فالأفكار لا قيمة لها بشكلها المجرد إن لم تصقل وتشذب وتربط العلاقات بينها، وكما يقول توماس ديشن: (الإبداع هو القدرة على رؤية العلاقات حيث لا يوجد أي منها).معظم التغيرات والثورات الكبرى في التاريخ كانت الأفكار سابقة لها وباعثاً لاندلاعها، فالثورة الفرنسية مثلاً كانت إحدى نتائج الأفكار التنويرية لجان جاك روسو وفولتير وديدرو، ومشكلتنا في الوطن العربي بالرغم من الأحداث الجسام والمخاضات العسيرة أن لا وجود للأفكار التنويرية التي تأخذ بأيدي الناس إلى بر الأمان وتقدم لهم تفسيراً للواقع وتبعث بهم الأمل بمستقبل أفضل بما يسد الطريق أمام الأفكار المتطرفة.