12 سبتمبر 2025

تسجيل

المحروسة: المقاربة المطلوبة

28 نوفمبر 2011

ثمة التباس يسود المحروسة فلا أحد يدرك محددات المقاربة المطلوبة للخروج بها من حالة الالتباس وإلى أي درجة ما التعقيد التي باتت تهيمن على مشهدها السياسي على نحو أعاد تجليات هذا المشهد إلى المربع الأول الذي سبق ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث الاستقطاب الحاد من قبل السلطة المتحكمة في مفاصل الدولة والتنائي بينها وبين الشعب واللجوء إلى آلية القتل الممنهج مما أسفر عن سفك دماء شباب طاهر رأى أن ثورته تكاد تجهض أمام عينيه من قبل فئات عديدة بعضها في السلطة وبعضها الآخر يتحرك في الخفاء بينما يتلقى البعض الآخر تعليماته من الخارج حتى لا تستعيد المحروسة حيويتها المعهودة القادرة على تغيير المعادلات الإقليمية التي خرجت منها قبل أربعين عاما مع تولي أنور السادات السلطة في العام 1970 وأعقبه حسني مبارك بعد مقتله في العام 1981. إن كل الأطراف في المحروسة مسؤولة بشكل أو بآخر عما يجري من التباس وتعقيد وشعور بضياع ثورة الخامس والعشرين من يناير على النحو الذي أوشك أن يجردها من مضامينها الحقيقية ويفضي بها إلى كونها مجرد انتفاضة تمكنت من إسقاط رأس النظام وبعض من رموزه ووضعهم أما في السجن المرفه بطرة أو الإقامة بجناح رئاسي بمستشفى عسكري فندقي مما شكل نوعا من الاستفزاز لمن فجروا الثورة. فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وربما دون أن يقصد تعامل بقدر من البيروقراطية بعيدا عن متطلبات الثورة والشارع دون أن يولى للشرعية الثورية التي استند إليها تكليفه بمسؤولية إدارة البلاد مما عمَّق من المسافة بينه وبين الشارع ولاشك أن هذا السلوك لم ينطو على سوء نية لكنه عكس محدودية خبرة وعدم إلمام بمفردات اللعبة السياسية فضلا عن حرص مبالغ فيه على التمسك بمبدأ الوقوف على مسافة واحدة من جميع مكونات الداخل مما جعله يتعامل مع نتوءات النظام السابق بنفس محددات تعامله مع القوى الثورية المحملة بأشواق التغيير وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بالإضافة إلى الوقوع في بعض الأخطاء التكتيكية وليست الإستراتيجية وفق التعبير العسكري في تعامله مع أحداث ماسبيرو والعباسية ووقائع الفتنة الطائفية التي توالت على مدى عدة أشهر بعد توليه ملف إدارة البلاد. ولعل الأخطاء التي ارتكبتها حكومة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء أسهمت في تأزيم الوضع في المحروسة, فقد منحها الشارع ثقة شديدة الاتساع بحسبانها حكومة تستند إلى شرعية الميدان التحرير الذي شهد تعميد رئيسها في شهر مارس المنصرم قبل أن يبدأ مشاوراته لتشكيلها ولكنها بدت تتحرك وكأنها بطة عرجاء غير قادرة على تحقيق اختراقات جوهرية تترجم من خلالها الأحلام التي صاغتها لنفسها بعد حلف وزرائها اليمين الدستورية وكانت تصب في منحى يقود إلى أن يقيل المواطن من عثراته الاجتماعية والاقتصادية والتي للأسف تفاقمت على نحو أكثر وطأة في حياته اليومية عما كان سائدا قبل ثورة يناير مما جعل الكثيرين يعلنون كفرهم بالثورة وقد استمعت شخصيا لكثير من التعليقات الحادة التي تؤكد هذا المعنى من فئات شعبية عديدة رحبت في البداية بالثورة وكانت تنتظر من حكومتها الانحياز لمتطلباتها لكن حكومة شرف بدت عاجزة عن تلبية هذه المتطلبات بل أسهمت بسياساتها غير الواضحة والمرتبكة والمرتعشة في تفاقم الواقع الاجتماعي للمواطن المصري خاصة الشباب الذي ارتفعت معدلات البطالة في أوساطه, ولم تنجح في هيكلة الأجور والمرتبات وفرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الثروات يعيد التوازن إلى الواقع الاجتماعي والذي اهتز واهترأ خلال الأربعين عاما المنصرمة. ويمكن القول إن عجز حكومة شرف عن تحقيق معادلة العدل والحزم أفقدها الكثير من التعاطف الشعبي خاصة مع الخطاب الرخو لرئيسها الدكتور عصام شرف بالرغم مما يتسم به من طيبة قلب وصفاء نية وبشاشة وجه لكن السلطة تتطلب قدرا من الحزم والقدرة على الحسم وإصدار القرار المناسب في الوقت المناسب صحيح أن الصلاحيات التي منحت لشرف وحكومته اتسمت بالهشاشة وهو ما كان يشكو منه لبعض المقربين منه بيد أنه كان بوسعه أن يعود إلى ميدان التحرير- حسبما وعد يوم أن توجه إليه لأول مرة - ليعلن عدم قدرته على الانجاز لأنه مكبل لكنه يبدو لي أن شرف قبل بالمنصب وابتهج لأن يكون أول رئيس وزراء لحكومة الثورة دون أن يفكر في جوهر المهمة الوطنية التي أوكلت إليه وتعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم على نحو أعاد للأذهان وضعية "السكرتارية" التي كانت تتعامل بها الحكومات السابقة مع الرئيس السابق حسنى مبارك. أما القوى السياسية فإن أبرز أخطائها يتجسد في دخولها بوتيرة متسارعة دائرة الانقسام والتشظي الأمر الذي أضفى عليها حالة من الوهن وضعف القدرة على التأثير في مسار التطورات فضلا عن التحرك ليس باتجاه المصلحة العامة وإنما في اتجاه يخدم المصالح الخاصة وفي مقدمتها السعي بكل قوة لامتلاك ناصية السلطة في المحروسة وهو وإن كان سلوكا مشروعا يتطلب بداية التوافق أو الحد الأدنى منه لإخراجها من سلسلة من المعضلات التي تراكمت وأدت إلى الانفجار الأخير. أما الثوار فلهم المجد كل المجد بيد أنهم مطالبون بقدر من العقلانية التي يتعين أن تحكم فعلهم الثوري المطلوب في المرحلة الراهنة حتى لا يبدو أنهم حريصون على الدخول في مواجهات وصدامات مع الجميع ورفض الجميع صحيح أن صوتهم يجب أن يبقى في الدائرة العليا لكن ثمة أصواتا أخرى في المحروسة لا ينبغي تجاوزها أو إهدار إمكاناتها وفي صدارتها المؤسسة العسكرية التي انحازت لثورة الشعب وحمتها من جلادي مبارك وبدلا من التعرض لها على نحو مكشوف فإنه يمكن محاورتها ومطالبتها بتصحيح سلوكها وتصرفاتها وقراراتها وهى بدورها مطالبة بالاستماع إلى صوت شباب المحروسة الثائر وإعلاء قيمتهم والتخلص من حالة البطء التي تسود قراراتها والتي تأتي متأخرة عن استحقاقاتها في بعض الأحيان وفي مقدمة ما يتعين أن تبادر المؤسسة العسكرية به هو محاكمة المسؤولين عن مقتل عشرات شباب المحروسة في الأحداث الأخير وأن تعلن أسماء من أصدر أوامر التعامل بالقوة المفرطة في بعض الأحيان مع الثوار والمعتصمين وفي تقديري أيضا هي مطالبة بتقصيره الفترة الزمنية المحددة لانتقال السلطة إلى المدنيين فلماذا الإصرار على الثلاثين من يونيو فألا يمكن تقديمها إلى مارس مثلا, إنني أدرك أن ثمة معوقات متصلة بالإجراءات الدستورية وضرورة توافر الحد الأدنى من البيئة القانونية والسياسية المواتية, لكن بالإمكان امتصاص غضب وثورة الشباب والإسراع بنقل السلطة إلى الحكم المدني اعتمادا على صناديق الاقتراع والتي ستبدأ أولى مراحلها اليوم السطر الأخير: المدينة مشتاقة لـ "الحلم والقيامة سرابيل بنيها مزدانة بالمطر أسوارها راحت تدكها العصافير فانبجست عتمتها غادرتها إلى القمر [email protected]