13 سبتمبر 2025
تسجيلمن أجمل وأعذب الوسائل التي يلجأ إليها الإنسان كلما ضاقت النفس بسبب حال الأمة، هي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقراءة السيرة النبوية تعطيك قوة وطمأنينة لا يمكن لغير المسلم فهمها وإدراك أبعادها وتأثيرها على النفس. فحين قراءتها بارتباط روحي مع سيد الخلق واستشعار عظمته وقربه منك كمسلم، تتفجر في داخل النفس طاقة الأمل العملاقة، كما تتجدد أيضاً الثقة بالله والاطمئنان أن الله متم نوره ولو كره الكافرون. ونحن الآن في هذا الظرف السياسي الحساس والدقيق جداً بأمس الحاجة للعودة إلى جذورنا الدينية المتصلة بخير البشر صلى الله عليه وسلم، وقراءة سيرته وفهمها ودراستها دراسة تحليلية تتناسب وظروفنا الحالية لنتعلم منه كيف ربى جيلاً كاملاً من الأبطال الأسطوريين الذين لم يعرف التاريخ جيلاً مثلهم رضي الله عنهم وألحقنا بهم في جناته. ولو تدبر الإنسان المنصف (مسلماً كان أم غير مسلم) لحار فكره وامتلأ عقله بالأسئلة التي تتناول أسباب حب وتضحية أصحاب النبي له، فمن موقف فتى الفتيان علي بن أبي طالب وفدائيته الفذة ليلة الهجرة إلى موقف أبي بكر لما أدخل رجله في خلل الغار حتى إذا كان فيها هامة أو ثعبان أو عقرب تلدغه هو قبل الرسول صلى الله عليه وسلم. أم هل سيتفكر ذلك المنصف في خباب بن الأرتّ الذي فضل الموت مقيداً على أن يصاب الرسول صلى الله عليه وسلم بشوكة في رجله؟ أم موقف حبيب بن زيد الذي قتله مسيلمة الكذاب وكان يطعمه لحمه فيقطع العضو ويسأله أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول أشهد أن محمداً رسول الله! ويقول أتشهد أني رسول الله؟ فيقول لا أسمع، وذاك يقطع من جسده ويحشر لحمه في فمه الطاهر حتى مات ولم ينثني؟. أم هل سيتفكر في موقف سماك بن خرشة (أبو دجانة) الذي رمى نفسه على رسول الله ليحميه بظهره من ضرب النبل في غزوة أحد؟ حتى قالوا إنه لما خرج من الحفرة كان يشبه القنفذ لكثرة السهام التي أصابت ظهره!. هي علاقة أعمق من أن يلامس شغافها جاهل حاقد أو فاشل يريد أن يرمي بفشله عله يصرف الأنظار عنه، ولا يفوتني أن أذكر هنا موقفاً حازماً لأحد عقلاء المشركين وكبارهم في غزوة الحديبية وهو عروة بن مسعود الثقفى قبل أن يسلم رضي الله عنه عندما جاء يفاوض النبي عن العمرة أو القتال، وعروة هذا هو الذي شهد له مشركو العرب بالعظمة وأثبت الله شهادتهم لما قال جل جلاله (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أحدهما هو عروة بن مسعود، فلما كان يفاوض النبي ليرده عن عمرة الحديبية شهد بنفسه ورأى حب الصحابة له صلى الله عليه وسلم فانبهر أشد الانبهار وانخلع قلبه عندما رأى أنه لما توضأ صلى الله عليه وسلم لصلاة الظهر كاد الصحابة يقتتلون على فضلة وضوئه فما سقطت قطرة ماء واحدة على الأرض من شدة حرص وحب الصحابة له. فعاد إلى قريش قائلاً: يا قوم قد وفدت على كسرى في ملكه وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، فوالله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمدٍ محمدًا!، فلا يحدون النظر إليه تعظيماً له وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وإن أمرهم أمراً ابتدروه ووالله لقد رأيت أقواماً لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم. قالها خوفاً على قريش من حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له، والأمثلة الأخرى أكثر من أن يحصرها مقال واحد ولها شواهدها ممن عاصروه من سادة الناس وعقلائهم وحكمائهم. فإن خرج أحدهم يريد الانتقاص منه بأبي هو وأمي فلن يعدو على أن يكشف سوأة جهل نفسه وانعدام فهمه وقلة اطلاعه وقصر نظره وسوء حكمه، ولكن الأعجب منه هم من انساقوا على إثره سواء بالصمت عن موقفه أو حتى بالتأييد إما خوفا أو مهانة ضربها الله عليهم، فلا يستطيعون الرد ورضي الله عن حسان بن ثابت الذي أخرس كل متردد من أدعياء التعقل والتروي بقوله: هجوتَ محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمدٍ منكم وقاء [email protected]