15 سبتمبر 2025
تسجيلاختلفت آراء المتابعين والمحللين بشأن إعلان واشنطن عن مخطط محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، حيث رأى البعض أن الأمر حقيقي وليس لعبة أمريكية، خاصة أن السوابق الإيرانية في عمليات الاغتيال والتفجير منذ قيام الثورة الإيرانية وحتى الآن كثيرة. لكن في المقابل كان هناك رأي آخر يرى أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة أمريكية لتسخين جبهة جديدة في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق أهداف. لكن ملاحظة السلوك الأمريكي إزاء هذه القضية يشير إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة أمريكية جديدة لفتح نوافذ جديدة لسياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، بعد الفشل والجمود الذي حل بها في ظل ثورات الربيع العربي التي أحرقت الكثير من أوراق القوة التي كانت تلعب بها واشنطن، فضلا عن التطورات السلبية من وجهة نظر واشنطن التي ترافق القضية الفلسطينية هذه الأيام في ظل إصرار السلطة الفلسطينية على التوجه إلى مجلس الأمن للحصول على عضوية الدولة الفلسطينية. فواشنطن أعلنت عن القضية بعد مرور أشهر على اكتشافها كما تقول وقائع الأحداث التي سردتها. وبدلا من اتخاذ إجراءات عقابية ضد طهران على محاولتها انتهاك سيادة الأراضي الأمريكية، إذ بالإدارة الأمريكية تقرر فتح أبواب الحوار معها حول كيفية تسوية القضية. إذن القصة تتعلق بأمور وقضايا أخرى ليست لها علاقة بقضية محاولة اغتيال السفير السعودي التي لم تكن إلا محاولة لفتح باب الحوار حول هذه القضايا وفي المقدمة منها القضية العراقية. ذلك أن واشنطن تسعى إلى الضغط على طهران من أجل أن تضغط الأخيرة على حلفائها في حكومة بغداد من أجل السماح بالإبقاء على القوات الأمريكية لفترة زمنية أطول أو في أقل الأحوال منح الحصانة القانونية للقوات الأمريكية التي وافقت بغداد على إبقائها وهي خمسة آلاف جندي فقط. ويتضح هذا الأمر جليا إذا ما نظرنا إلى الأشخاص الذين قالت الولايات المتحدة إنهم متورطون في محاولة الاغتيال وهم على صلة بتطورات الأوضاع في العراق، حيث يقومون بالتنسيق بين حكومتي طهران وبغداد. ففي مقدمة هؤلاء الأشخاص شخصان أحدهما قاسم سليماني وهو فريق في الجيش الإيراني وقائد فيلق القدس المعروف باسم "نيروي قدس" بالفارسية وهو فيلق تابع للحرس الثوري. وسبق للولايات المتحدة أن اتهمت سليماني بالتدخل في العراق وزعزعة الأمن فيه كما وصفته بأنه واحد من أهم صناع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية وتعتبر أن نفوذه في العراق كبير. والثاني هو عبدالرضا شاهلاي وهو أيضا ضابط كبير في قيادة فيلق القدس والحرس الثوري. وكانت وزارة الخزانة الأمريكية جمّدت في 2008 أموال شاهلاي وسليماني بتهمة تقديمهما الدعم المادي لحزب الله اللبناني وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، القيادة العامة، وهي أحزاب وحركات تصفها الولايات المتحدة بأنها منظمات (إرهابية) رغم أنه لم يكن لأي من الثلاثة أي رصيد مالي في الولايات المتحدة. وهناك هدف ثانٍ يتعلق بأزمة البرنامج النووي الإيراني التي ما زالت تراوح مكانها في ظل سعي إيراني محموم لتطوير إمكاناتها النووية التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق جعل دوائر الاستخبارات الغربية تتعامل مع طهران على أنها دولة نووية. وتسعى واشنطن إلى الوصول إلى اتفاق مع طهران بشأن قواعد التعامل النووي بين طهران والغرب في الفترة المقبلة خاصة إذا ما اتخذت القيادة الإيرانية قرارها بإنتاج السلاح النووي. كذلك هناك هدف ثالث تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه من وراء الإعلان عن محاولة الاغتيال، وهو جذب الأنظار بعيدا عن تطورات الربيع العربي، خاصة بعد أن قطع شوطا مهما خاصة في مصر التي تستعد لإنجاز الاستحقاق الديمقراطي الأول وما سيترتب عليه من تطورات تخص السياستين الداخلية والخارجية المصرية واحتمالات التدخل الخارجي المستمر من قبل واشنطن وحلفائها لوقف هذا التطور أو محاولة تطويقه.